الْبَدَنِ فِي الْعَادَةِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ جَمْعُ الرِّحَالِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الظِّلُّ وَغَيْرُهُ، كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا أَوْ يُخَمِّرُهُ.
وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ؛ قَالَ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ -: لَا يَسْتَظِلُّ عَلَى الْمَحْمِلِ، وَيَسْتَظِلُّ بِالْفَازَةِ فِي الْأَرْضِ، وَالْخَيْمَةِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ. وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَنْصِبُونَ لَهُ الظِّلَّ الْمَحْضَ فِي حَالِ النُّزُولِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ إِلَى بَيْتٍ أَوْ خَيْمَةٍ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِظْلَالِ لَجَازَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ هَذَا الظِّلَّ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْمُحْرِمِ، وَلَا يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّخَذٍ لِلدَّوَامِ فَلَا بُدَّ مَعَهُ مِنَ الضَّحَا، وَيَسِيرُ الظِّلُّ فِي الْمَكَانِ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ فَوْقَهُ مَا يَسْتُرُ يَسِيرًا مِنْ رَأْسِهِ مِثْلَ الزَّمَانِ.
فَأَمَّا إِذَا احْتَاجَ لِلِاسْتِظْلَالِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، فَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ إِذَا كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَحَمَلَا حَدِيثَ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ، وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: عُذْرٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذًى فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّظْلِيلَ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ؛ لِأَنَّ مَا كُرِهَ فِي الْإِحْرَامِ جَازَ مَعَ الْحَاجَةِ، وَمَا أُبِيحَ يَسِيرُهُ جَازَ كَثِيرُهُ مَعَ الْحَاجَةِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: فَلَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِثَوْبٍ يَنْصِبُهُ حِيَالَهُ يَقِيهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ أَمَامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُظَلَّلٌ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالْهَوْدَجِ وَالْعَمَّارِيَّةِ وَاللَّبْسَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute