الْإِحْرَامِ، وَمِنْ قَائِلٍ عَقِبَ الْحِلِّ بِمَكَّةَ، وَمِنْ قَائِلٍ بِسَرِفَ وَهُمَا حَلَالَانِ ; إِمَّا قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَجْوَدُ مَا فِيهَا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ، وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَقَدْ رُوِيَا مُرْسَلَيْنِ مِنْ وُجُوهٍ هِيَ أَقْوَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَسْنَدَ، وَهَذِهِ عِلَّةٌ فِيهِمَا إِنْ لَمْ تُوجِبِ الرَّدَّ فَإِنَّهَا تُوجِبُ تَرَجُّحَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ إِسْنَادًا.
قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ»، قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْتُ لِابْنِ شِهَابٍ: أَتَجْعَلُ حِفْظَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَحِفْظِ أَعْرَابِيٍّ يَبُولُ عَلَى عَقِبَيْهِ ".
قِيلَ: أَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُمَا حَلَالَانِ بِسَرِفَ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَإِنَّ مَعْنَاهَا وَاللَّهَ أَعْلَمُ أَنَّهُ بَنَى بِهَا وَدَخَلَ بِهَا بِسَرِفَ كَمَا فَسَّرَتْ ذَلِكَ جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ بَنَى بِهَا بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ عُمْرَتِهِ بِسَرِفَ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ تَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا بِمَكَّةَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ الْخِطْبَةُ وَالرُّكُونُ، وَلَمْ يَعْقِدِ الْعَقْدَ إِلَّا بِسَرِفَ حِينَ الْبِنَاءِ؛ فَإِنَّ هَذَا مُمْكِنٌ، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَفَسَّرَ قَوْلَهُ: دَعُونِي أَعْرِسُ، مَعْنَاهُ: أَعْقِدُ وَأَعْرِسُ، فَلَمَّا مَنَعُوهُ خَرَجَ إِلَى سَرِفَ فَعَقَدَ وَأَعْرَسَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute