للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُطَّلِعَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَخَفِيَ عَلَى الثَّانِي، فَإِنَّ ذَاكَ مُثْبِتٌ وَهَذَا نَافٍ لَا سِيَّمَا وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ مِنْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ لَمْ يَتَحَدَّثْ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُظْهِرْ إِلَّا بَعْدَ مَقْدَمِهِ مَكَّةَ وَانْقِضَاءِ عُمْرَتِهِ، وَمِنْ هُنَا اعْتَقَدَ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْقَاضِي، وَقَالَ: هَذَا تَأْوِيلٌ جَيِّدٌ، أَوْ أَنْ يَكُونَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ وَمَنْ مَعَهُ فَخَطَبَا لَهُ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ وَالْمُوَاطَأَةُ عَلَى الْعَقْدِ ثُمَّ لَمْ يَعْقِدْ إِلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ.

وَأَمَّا كَوْنُهُمَا قَدْ رُوِيَا مُرْسَلَيْنِ، وَكَوْنُ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ لَا يَعَدِلُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَلَيْسَ بِشَيْء، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ وُجُوهٍ مَرْضِيَّةٍ مُخَرَّجَةٍ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ، وَالْقِصَّةُ إِذَا أَسْنَدَهَا مَنْ يُحَدِّثُهَا تَارَةً وَأَرْسَلَهَا أُخْرَى كَانَ أَوْكَدَ فِي ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ وَثِقَتِهِ بِحَدِيثِ مَنْ حَدَّثَهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُخَافُ فِي الْإِرْسَالِ مِنْ ضَعْفِ الْوَاسِطَةِ، فَمَتَى سَمَّاهُ مَرَّةً أُخْرَى زَالَ الرَّيْبُ.

وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُعَارِضْ بِهِ يَزِيدَ بْنَ الْأَصَمِّ فِي شَيْءٍ يَكُونُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ نَقْلِيٌّ، الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يُسْنِدْ رِوَايَتَهُ إِلَى أَحَدٍ وَيَزِيدُ قَدْ أَسْنَدَ رِوَايَتَهُ إِلَى خَالَتِهِ الْمَنْكُوحَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا أَعْلَمُ بِحَالِهَا مِنِ ابْنِ أُخْتِهَا ابْنِ عَبَّاسٍ.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ تَزَوُّجَ مَيْمُونَةَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِصِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدِ اضْطَرَبَتْ فِيهِ النَّقَلَةُ، وَمَعَ مَا تَقَدَّمَ فَلَا وَجْهَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَتَتَسَاقَطُ الرِّوَايَتَانِ، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ لَا اضْطِرَابَ فِيهِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>