الْحِلِّ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ، أَوْ يَحْلِقُ وَيُعْتَقَدُ أَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ طَوَافَهَا هُوَ طَوَافُ الْحَجِّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ: صَرَّحَا بِأَنَّهُ يَتَعَمَّرُ وَيُهْدِي، وَفَسَّرَا ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مَكَانَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ.
نَعَمْ وَجَبَ عَلَيْهِ إِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ، وَمِنْ لَوَازِمِ الْإِحْرَامِ الْمُبْتَدَأِ أَنْ يَتَجَنَّبَ فِيهِ جَمِيعَ الْمَحْظُورَاتِ، وَأَنْ يُهِلَّ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَتَحَلَّلَ مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ السَّعْيِ وَالْحَلْقِ. وَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَانَتْ وَاجِبَةً، فَإِنَّهَا وَجَبَتْ لِجَبْرِ مَا قَدْ فَسَدَ مِنْ إِحْرَامِهِ إِذْ لَا يُمْكِنُ الْجَبْرُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ صَحِيحٍ، وَلَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ الصَّحِيحُ إِلَّا هَكَذَا.
وَقَوْلُ أَحْمَدَ: يَعْتَمِرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُفِيضُ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ يُشْرَعُ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ يَرْمِي الْجِمَارَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْجِمَارَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْحِلِّ كُلِّهِ، فَوُقُوعُهُ بَعْدَ فَسَادِ الْإِحْرَامِ: لَا يَضُرُّهُ، وَوُقُوعُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى: جَائِزٌ. نَعَمْ قَدْ يُكْرَهُ ... ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيمَا بَقِيَ بِإِحْرَامِهِ الْفَاسِدِ وَقَضَاؤُهُ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْمَشْرُوعَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَهُنَا لَيْسَ الْقَضَاءُ مِثْلَ الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ فِيهَا إِحْرَامٌ تَامٌّ، وَخُرُوجٌ إِلَى الْحِلِّ، وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ فَقَطْ وَهُوَ مُتَطَيِّبٌ لَابِسٌ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى، فَأَغْنَى إِيجَابُ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ عَنْ طَوَافِهِ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ.
وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إِحْرَامًا صَحِيحًا لِيَطُوفَ فِيهِ فَقَطْ: فَهَذَا خِلَافُ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ كُلَّ إِحْرَامٍ صَحِيحٍ مِنَ الْحِلِّ يَتَضَمَّنُ الْإِهْلَالَ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِحْلَالٍ، وَالْمُحْرِمُ: لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ بَعْدَ طَوَافٍ وَسَعْيٍ، فَكَيْفَ يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ، اللَّهُمَّ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّ السَّعْيَ وَالْحِلَاقَ شَيْئَانِ غَيْرُ وَاجِبَيْنِ، فَهُنَا يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute