(فَصْلٌ)
إِنْ فَعَلَ الْمَحْظُورَ لِعُذْرٍ فَفِدْيَتُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ فِدْيَتَهُ عَلَى التَّخْيِيرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَسَبَبُهَا مُبَاحٌ وَجَبَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ جَبْرٌ لِمَا نَقَصَ مِنَ الْإِحْرَامِ بِفِعْلِ الْمُحْرِمِ، وَالنَّقْصُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، أَوْ مَحْظُورٍ، إِلَّا أَنَّ فِي أَحَدِهِمَا: جَائِزًا، وَالْآخَرِ حَرَامًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ جَابِرًا لِنَقْصِ الْإِحْرَامِ لَمَا اكْتُفِيَ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْحِنْثُ جَائِزًا، أَوْ حَرَامًا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ كَوْنَ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ جَائِزًا لَا يُوجِبُ التَّخْيِيرَ بِدَلِيلِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ جَائِزًا، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّخْيِيرِ: عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِجَوَازِ السَّبَبِ، بَلْ لِأَنَّهَا جَابِرَةٌ لِنَقْصِ الْإِحْرَامِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ: فَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا إِلَّا الْمَعْذُورُ: لِأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ جَوَازَ الْحَلْقِ، وَوُجُوبَ الْفِدْيَةِ - لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى قَبْلَ ذَلِكَ عَنِ الْحَلْقِ - وَهَذَا الْحُكْمَانِ يَخْتَصَّانِ الْمَعْذُورَ خَاصَّةً.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَلَا يَتَخَيَّرُ؛ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخِصَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute