للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجِّ وَيَكُونُ نَفْسُ إِحْرَامِ الْحَجِّ ظَرْفًا وَوِعَاءً لِلصَّوْمِ، كَمَا يُقَالُ: دَعَا فِي صَلَاتِهِ، وَتَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ، وَلَبَّى فِي حَجِّهِ، وَتَمَضْمَضَ فِي وُضُوئِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَزْمِنَةَ لَمَّا كَانَتْ تَحْوِي الْأَفْعَالَ وَتَشْمَلُهَا: فَالْفِعْلُ قَدْ يَحْوِي فِعْلًا آخَرَ.

وَقَالَ أَصْحَابُنَا: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي وَقْتِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَكُونُ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ مَعَ تَقْدِيرِ الزَّمَانِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْإِعْرَابِ: إِنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْمَصَادِرَ أَحْيَانًا عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ، إِمَّا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، فَيَكُونُ الْمَحْذُوفُ مُقَدَّرًا، وَإِمَّا عَلَى تَضْمِينِ الْفِعْلِ: الزَّمَانَ لِاسْتِلْزَامِهِ إِيَّاهُ فَيَكُونُ الزَّمَانُ مُضَمَّنًا، قَالُوا: وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، فَالْحَجُّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يُشِيرُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] ثُمَّ قَالَ بُعَيْدَ ذَلِكَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ وَالْمَعْنَى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُؤَخِّرُهُنَّ عَنْ وَقْتِ الْحَجِّ.

وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَهُوَ حَاجٌّ، فَإِذَا صَامَهَا حِينَئِذٍ فَقَدْ صَامَهَا فِي حَجِّهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ، وَعُمْرَةُ التَّمَتُّعِ جُزْءٌ مِنَ الْحَجِّ بَعْضٌ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: («دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ») وَالْمُتَمَتِّعُ حَاجٌّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ إِلَّا أَنَّ إِحْرَامَهُ يَتَخَلَّلُهُ حِلٌّ بِخِلَافِ مَنْ أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا صِيَامُ السَّبْعَةِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>