نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ حَكَاهُ أَحْمَدُ - أَيْضًا - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يُعْرَفُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خِلَافُ ذَلِكَ إِلَّا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا: أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ مِنًى، وَذَلِكَ اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصُومُهَا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى بِحَالٍ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَوَّزَ لَهُ الِانْتِقَالَ عَنِ الْهَدْيِ بِأَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، فَإِذَا لَمْ يَصُمْهَا فِي وَقْتِهَا: لَمْ يُجْزِهِ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَسَائِرِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ قَدْ يَكُونُ بَاقِيًا، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ فَتَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ رُخْصَةٌ فَلَا يُسْتَبَاحُ مَعَ الْمَعْصِيَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَبَيْنَ الْهَدْيِ، وَفَاتَ وَقْتُ الصَّوْمِ: لَتَعَيَّنَ الْهَدْيُ، فَلَأَنْ يَتَعَيَّنَ الْهَدْيُ إِذَا كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْمُؤَقَّتَةَ إِذَا فَاتَتْ: فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ إِلَّا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَلَيْسَ فِي قَضَاءِ صَوْمِ الْمُتْعَةِ أَمْرٌ.
وَإِنْ قُلْنَا: يَقْضِي فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بَدَلٌ عَنِ الْأَدَاءِ يَسُدُّ مَسَدَّهُ، وَهُنَا قَدْ أَمْكَنَ إِبْدَالُ الْهَدْيِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّوْمِ فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِبْدَالِ بِصَوْمٍ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ إِذَا كَانَ مُؤَقَّتًا فَفَاتَ وَقْتُهُ: رُجِعَ إِلَى الْأَصْلِ؛ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بَدَلٌ عَنِ الْأَدَاءِ فَلَوْ شُرِعَ فِي الْإِبْدَالِ لَكَانَ لِلْبَدَلِ بَدَلٌ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ بَعْدَهُ، وَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا كَامِلَةٌ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تَثْبُتُ لِأَيَّامٍ فِي غَيْرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لَهَا لَجَازَ التَّأْخِيرُ، وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الْعَشَرَةُ كَامِلَةً لَمْ يُجْزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِعَشَرَةٍ كَامِلَةٍ، وَلِأَنَّ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ مِنَ الْمَنَاسِكِ - وَإِنْ كَانَتْ صَوْمًا - كَمَا أَنَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ مِنَ الْمَنَاسِكِ وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute