وَقَالَ الْخَرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِمَا، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ - فِي مَوَاضِعَ -: الِاعْتِبَارُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ خَاصَّةً. فَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ فَلَيْسَ هُوَ بِمُتَمَتِّعٍ.
قَالَ الْقَاضِي: إِذَا رَجَعَ الْمُتَمَتِّعُ إِلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى مَوْضِعٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ سَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ. قَالَ: وَقَوْلُ أَحْمَدَ فَإِنْ خَرَجَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ.
وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ أَحْمَدَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافٍ فِي الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ كُلَّهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ؛ فَإِنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرُ مَرَاحِلَ مِنْ نَاحِيَةِ السَّاحِلِ، وَالْجُحْفَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَسَائِرَ الْمَوَاقِيتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ يَوْمَانِ قَاصِدَانِ. فَكُلُّ مَنْ خَرَجَ إِلَى مِيقَاتٍ فَقَدْ خَرَجَ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَقَدْ يَخْرُجُ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ. وَلَا يَصِلُ إِلَى الْمِيقَاتِ، فَإِذَنْ كِلَا الطَّرِيقَيْنِ جَيِّدَةٌ، وَإِنْ كَانَ الضَّابِطُ فِي الْخُفَّيْنِ السَّفَرَ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ. لَكِنْ مَنِ اعْتَقَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَخْرُجُ إِلَى الْمِيقَاتِ مَنْ لَا يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لِيَجْعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَوْ تَنَاوَلَ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، أَوْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْمُتْعَةُ بِالْخُرُوجِ إِلَى مِيقَاتِهِ، أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ عَلَى انْفِرَادِهِ: فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا مُسْتَنَدُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمَسَافَةِ، وَهَذَا وَاقِعٌ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مُخَالَفَةٌ وَاضِحَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute