للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذًا لعل القول في تفسير الآية فيه خلاف، والخلاف واضح وجلي (١).

وقد أعطى الله ـ عز وجل ـ يوسف ـ عليه السلام ـ الملك والحكمة، والعلم، وتفسير الرؤى، والجمال، فلم يكن نبيًّا فقط، ولم يكن معبرًا للرؤى ومفسرًا للأحلام فقط (٢)! !


(١) لعله اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، راجع كتاب مقدمة التفسير للعلامة الإمام ابن عثيمين، فصل اختلاف السلف في التفسير وأنه اختلاف تنوع ص (٢٩).
(٢) يقول الزمخشري في تفسيره الكشاف: عرف يعقوب ـ عليه السلام ـ دلالة الرؤيا على أن يوسف يبلغه الله مبلغًا من الحكمة، ويصطفيه للنبوّة، وينعم عليه بشرف الدارين، كما فعل بآبائه، فخاف عليه حسد الإخوة وبغيهم (٢/ ٤١٨). فهو لم يفصح، ولعل ذلك سبب لاختيارنا أن الرؤيا لم تعبر.
ثم يقول: ومثل ذلك الاجتباء {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} يعنى وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكبرياء شأن، كذلك يجتبيك ربك لأمور عظام.
ويقول: والاجتباء. الاصطفاء، افتعال من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك، وجبيت الماء في الحوض: جمعته. والأحاديث: الرؤيا: لأنّ الرؤيا إمّا حديث نفس أو ملك أو شيطان. انظر الكشاف (٢/ ٤١٩).
قلت: لعل الأقرب أن الناس تتحدث بها لأن الرؤيا من الله وليست حديث ملك، فلا دليل صحيح السند على ذلك، وإن قلنا إن المقصود بتأويل الأحاديث (لأن منها حديث نفس وشيطان) وهذا خطأ ظاهر إذ إن حديث النفس وتخويف الشيطان لا تأول من الأصل، ولكن يستفاد منها في أمور أخرى ليس هذا مجال ذكرها، فقياس معنى الأحاديث على هذا لا يصح والله أعلم.
وقد أفاد في شرح كلمة (الأحاديث) الإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير، يقول ـ يرحمه الله: والأحاديث يصح أن تكون جمع حديث بمعنى الشيء الحادث، فتأويل الأحاديث: إرجاع الحوادث إلى عللها وأسبابها بإدراك حقائقها على التمام. وهو المعني بالحكمة، وذلك بالاستدلال بأصناف الموجودات على قدرة الله وحكمته، ويصح أن يكون الأحاديث جمع حديث بمعنى الخبر المتحدث به، فالتأويل: تعبير الرؤيا. سميت أحاديث لأن المرائي يتحدث بها الراؤون، وعلى هذا المعنى حملها بعض المفسرين. واستدلوا بقوله في آخر القصة {يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} من قبل [سورة يوسف: ١٠٠]. ولعل كلا المعنيين مراد بناء على صحة استعمال المشترك في معنييه وهو الأصح، أو يكون اختيار هذا اللفظ إيجازًا معجزًا، إذ يكون قد حكي به كلام طويل صدر من يعقوب ـ عليه السلام = =بلغته يعبر عن تأويل الأشياء بجميع تلك المعاني (١٢/ ٢١٦)، يلاحظ أن الإمام ابن عاشور. يرحمه الله. جعل لكلمة الأحاديث أكثر من معنى.

<<  <   >  >>