للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والْخَامِس: أنه تَعالى في هَذه الآية حَكَى عنهم أنهم قَالُوا: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام: ٢٣].

وَحَمْلُ هَذا عَلى أن الْمُرَاد: مَا كُنَّا مُشْرِكِين في ظُنُونِنَا وعَقَائدِنا مُخَالفة للظَّاهِر، ثم حَمْل قَوله بَعد ذلك: (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) [الأنعام: ٢٤] على أنهم كَذَبُوا في الدُّنيا يُوجِب فَكَّ نَظْم الآية، وصَرْف أوَّل الآيَة إلى أحْوال القِيَامَة، وصَرْف آخِرها إلى أحْوال الدُّنيا، وهو في غَاية البُعْد (١).

ثم نَقَض ما حكاه عن أبي عليّ الجبائي.

وأوْرَد ابنُ جُزَيّ الإشْكَال، وأجَاب عنه مِنْ وَجْهَين، فَقَال: فإن قِيل: كَيف هَذا مَع قَولِهم: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)؟

فالْجَوَاب مِنْ وَجْهَين:

أحَدُهُما: أنَّ الْكَتْم لا يَنْفَعُهم، لأنهم إذا كَتَمُوا تَنْطِق جَوَارِحُهم فَكَأنهم لَم يَكْتُمُوا والآخَر: أنهم طَوَائف مُخْتَلِفَة، ولَهُم أوْقَات مُخْتَلِفَة.

وقِيل: إنَّ قَوله: (وَلَا يَكْتُمُونَ) عَطْف على (تُسَوَّى) [النساء: ٤٢]، أي يَتَمَنّون أن لا يَكْتُمُوا، لأنهم إذا كَتَمُوا افْتَضَحُوا (٢).

وأوْرَد الإشْكال نَفْسه في تفسير سُورة الأنْعام، وزَاد في الْجَواب، فَقَال: فإن قيل: كَيف يَجْحَدُونه، وقَد قَال الله: (وَلَا يَكْتَمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)؟

فالْجَوَاب: أنَّ ذَلك يَخْتَلِف باخْتِلاف طَوَائف النَّاس، واخْتِلاف الْمَواطِن، فَيَكْتُم قَوْم، ويُقِرُّ آخَرُون، ويَكْتُمُون في مَوْطِن، ويُقِرُّون في مَوْطِن آخَر؛ لأنَّ يَوْم القِيَامَة


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٢/ ١٥٢، ١٥٣).
(٢) التسهيل لعلوم التنزيل، مرجع سابق (١/ ١٤٢).

<<  <   >  >>