للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واجْتِمَاعهما، إمَّا أن يَكُون في طَوائف مُخْتَلِفَة، أوْ في أوْقَات مُخْتَلِفَة؛ يَقُولُون في حَالٍ كَذا، وحَالٍ كَذا (١).

أمَّا الرَّازي فَقد أورَد قَول الزجّاج الْمُتَقَدِّم، ثم أوْرَد قَول الْمُعْتَزِلَة مُتمثِّلًا بِقَول القَاضي وأبي عليّ الجبائي، - وهو القَول الأوَّل في الْمَسْألَة - ثُمَّ خَتَمَه بِقَولِه: هَذا جُمْلَة كلام القاضي في تَقْرِير القَول الذي اخْتَارَه أبو علي الجبائي (٢).

ثم أعْقَبَه بِالقَول الثَّاني وعَزَاه إلى جُمْهُور الْمُفَسِّرين، فقال: والقَول الثَّاني، وهو قَول جُمْهُور الْمُفَسِّرِين: أنَّ الكُفَّار يَكْذِبُون في هَذا القَول، قَالُوا: والدَّلِيل عَلى أنَّ الكُفَّار قَدْ يَكْذِبُون في القِيَامَة وُجُوه:

الأوَّل: أنه تَعالى حَكَى عَنهم أنهم يَقُولُون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) [المؤمنون: ١٠٧]، مَع أنه تَعالى أخْبَرَ عَنْهم بِقَولِه: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام: ٢٨].

والثَّاني: قَوله تَعالى: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [المجادلة: ١٨]، بَعْد قَولِه: (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) [المجادلة: ١٤]، فَشَبَّه كَذِبَهم في الآخِرَة بِكَذِبِهِم في الدُّنيا.

والثَّالِث: قَوله تَعالى حِكَاية عَنهم: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف: ١٩]، وكُلّ ذَلك يَدُلّ عَلى إقْدَامِهم في بَعْض الأوْقَات عَلى الكَذِب.

والرَّابِع: قَوله حِكَاية عَنهم: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) [الزخرف: ٧٧]، وقَد عَلِمُوا أنه تَعَالى لا يَقْضِي عَليهم بالْخَلاص.


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٢/ ٣٩٨).
(٢) وقد سَبَقَ تَعَقُّب قَول القَاضِي، فأغْنَى عن إعَادَتِه.

<<  <   >  >>