ومن عجيب تدبيرهم في قديم الأيام دون هذا الوقت أمر الاحكام وجلالها في صدورهم، واختيارهم لها من لا يخالج قلوبهم الشّك في علمه بشرائعهم وصدق لهجته وقيامه بالحقّ في كلّ أحواله وتجنّبه الإغماض عمّن جلّ مقداره حتّى يقع الحقّ موقعه، ويكون عفيفا عن أموال أهل الضّعف وما يجري على يده، فإذا عزموا على تقليد قاضي القضاة أنفذوه قبل تقليده إلى جميع البلدان التي هي أعمدة بلادهم، حتى يقيم في كل بلد شهرا أو شهرين فيبحث عن أمر أهله وأخبارهم ورسومهم، ويعلم من يجب قبول قوله منهم معرفة يستغني بها عن المسألة، فإذا سلك به هذه الامصار، ولم يبق في المملكة بلد جليل الّا وطيه، رحل إلى دار المملكة وولى قضاء القضاة وجعل إليه اختيارهم، فيليهم، وعلمه بجميع المملكة ومن يجب أن يقلّد في كلّ بلد من أهله أو غيرهم علم من يستغني بعلمه عن الرجوع إلى من لعله ان يميل فيه أو يقول بغير الحقّ فيما يسأل عنه، ولا يتهيأ لأحد من قضاته أن يكاتبه بشيء قد علم خلافه أو يزيله عن جهته، ولقاضي القضاة مناد في كلّ يوم ينادي «١» على بابه يقول: هل من متظلّم على الملك المستور عن عيون رعيّته، أم من أحد من أسبابه وقواده وسائر رعيته فانّي أنوب في ذلك كلّه عنه لما بسط به يدي وقلّدني، يقول ذلك ثلثا، لأن الملك في عقدهم ان الملك لا يزول عن موضعه حتّى تنفذ الكتب من