للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهذا فيما يزعمون إبطال قول القدرية النفاة، ومصادمتهم في قولهم: إن الإرادة هي الأمر، يأمر بها الطائفتين، فهؤلاء عبدوه بأن أحدثوا إرادتهم وطاعتهم، وهؤلاء عصوه بأن أحدثوا إرادتهم ومعصيتهم. وحاصل قولهم: إنكار القدر وأن الأمر أُنُف١، فقابلهم أولئك بالقول بالجبر، وأنهم لا يخرجون عن قدره وقضائه، نظرا منهم إلى أن الأمر كائن بمشيئة الله وقدره، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه -تعالى- خالق كل شيء وربه ومليكه، ولا يكون في ملكه شيء إلا بقدرته وخلقه ومشيئته. كما قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ٢،: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ٣،: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} ٤،: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ} ٥، ونحو ذلك من الآيات. ولا ريب أن هذا أصل عظيم من أصول الإيمان، لا بد منه في حصول الإيمان، وبإنكاره ضلت القدرية النفاة وخالفوا جميع الصحابة وأئمة الإسلام، لكن لا بد معه من الإيمان بالإرادة الشرعية الدينية، التي نزلت بها الكتب السماوية، ودلّت عليها النصوص النبوية.

[تفسير العبادة لغة وشرعا]

وأئمة المسلمين قد أثبتوا هذه وهذه، وذكروا الجمع بينهما، وآمنوا بكلا الأصلين، وفرقوا بين لام العلة الباعثة الفاعلة، وبين لام الغاية والصيرورة والعاقبة، والقرآن قد جاء ببيان اللامين، فالأولى في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ٦،: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} ٧،: {لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ٨. والثانية في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} ٩،: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} ١٠،: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ١١ على أحد القولين. فمن نفى الإرادة


١ أُنُف بضم الهمزة والنون: أي كل شيء يخلقه الله فهو مستأنف جديد لم يكن مقدرا ولا مكتوبا.
٢ سورة القمر آية: ٤٩.
٣ سورة الأنعام آية: ١١١.
٤ سورة الأنعام آية: ١١٢.
٥ سورة الإنسان آية: ٣٠.
٦ سورة الذاريات آية: ٥٦.
٧ سورة النساء آية: ٦٤.
٨ سورة البقرة آية: ١٨٥.
٩ سورة القصص آية: ٨.
١٠ سورة الأعراف آية: ١٧٩.
١١ سورة يونس آية: ١١٩.

<<  <   >  >>