إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه لا يباح له السفر إليهم؛ فالرخصة مخصوصة بمن عرفه بأدلته المتواترة في الكتاب والسنة، ومثل هذا هو الذي يتأتى منه إظهار دينه والإعلان به، وكيف يظهره من لا يدريه ولا إلمام له بأدلته القاطعة للخصم ومبانيه؟ شعرا:
فقر الجهول بلا علم إلى أدب ... فقر الحمار بلا رأس إلى رسن
حتى ذكر جمع تحريم القدوم إلى بلد تظهر فيه عقائد المبتدعة كالخوارج والمعتزلة والرافضة إلا لمن عرف دينه في هذه المسائل، وعرف أدلته، وأظهره عند الخصم. وقد عرف -أرشدك الله- أن الزمن زمن فترة من أهل العلم، غلبت فيه العادات الجاهلية، والأهواء العصبية، وقل من يعرف الإسلام العتيق، وما حرمه الله –تعالى- من موالاة أعدائه المشركين ومعرفة أقسامها، وأن منها ما يكفر به المسلم، ومنها ما هو دونه. وكذلك المداهنة والركون، وما حرم الله –تعالى- ورسوله، وما الذي يوجب فسق فاعله أو ردته، وأين القلوب التي ملئت من الغيرة لله وتعظيمه وتوقيره عن كفر هؤلاء الملاحدة وتعطيلهم، وصار على نصيب وحظ وافر من مصادمة أعداء الله ومحاربتهم ونصر دين الله ورسله، ومقاطعة من صد عنه، وأعرض عن نصرته
وإن كان الحبيب المواتيا ... فالحكم لله العلي الكبير
وأين من يبادئهم بأن ما هم عليه كفر وضلال بعيد، ومسبة لله العزيز الحميد، يمانع أصل الإيمان والتوحيد، وأن ما هم عليه هو الكفر الجلي البواح، وهو في ذلك على نور من ربه، وبصيرة في دينه، فسل أهل الريب والشبهات هل يغتقر الجهل بذلك والإعراض عنه علما وعملا، ويكتفي بمجرد الانتساب إلى الإسلام عند قوم ينتسبون إليه أيضا، وهم من أشد خلق الله كفرا به وجحدا له؟