وردا لأحكامه واستهزاء بحقائقه. فإن قالوا: يكتفي بذلك الانتساب، وتبرأ به الذمة، فقد عادوا على ما نقلوه وأصلوه من دليلهم بالرد والهدم، ومن حقق النظر وعرف أحوال القوم وسيرهم، علم أن معولهم على اتباع أهوائهم والميل مع شهواتهم، نسأل الله لنا ولهم العافية.
ومن هان عليه أمره –تعالى- فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقه فضيعه، وذكره فأهمله، وأغفل قلبه عنه، وكان هؤلاء آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعة ربه، فلله الفضلة من قلبه وقوله وعمله، وسواه المقدم في ذلك، فما قدره حق قدره، وما عظمه حق عظمته، وهل قدره حق قدره من سالم أعداءه الجاحدين له المكذبين لرسله، وأعرض عن جهادهم وعيبهم والطعن عليهم، ولاقاهم بوجه منبسط، ولسان عذب، وصدر منشرح، ولم يراع ما وجب عليه من إجلال الله وتعظيمه وطاعته جراءة على ربه وتوثبا على محض حق وامتهانا بأمره؟
خلافا لأصحاب الرسول وبدعة ... وهم عن سبيل الحق أعمى وأجهل
[السفر إلى بلاد المشركين عند أمن الفتنة]
(الوجه الرابع) : أنه لا بد في إباحة السفر إلى بلاد المشركين من أمن الفتنة، فإن خاف بإظهار دينه الفتنة بقهرهم وسلطانهم، أو شبهات زخرفهم وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم والمخاطرة بدينه. وقد فر عن الفتنة من السابقين الأولين إلى بلاد الحبشة من تعلم من المهاجرين كجعفر بن أبي طالب وأصحابه. وقد بلغكم ما حصل من الفتنة على كثير ممن خالطهم وقدم إليهم، حتى جعلوا مسبة من نهاهم عن ذلك وأمرهم بمجانبة المشركين دينا يدينون به،