(قلت:) ولقد أعجبني ما فعله الشيخ أبو إسحاق الحسائي -رحمه الله تعالى- أحد الصالحين ببلاد أفريقية حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبد الله محمد بن أبي العباس المؤدب أنه كان إلى جانبه عين تسمى: عين العافية، كانت العامة قد افتتنوا بها يأتونها من الآفاق، من تعذر عليها نكاح أو ولد قالت: امضوا بي إلى العافية، فتعرف بها الفتنة. قال أبو عبد الله: فأنا في السحر ذات ليلة إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها، فخرجت فوجدته قد هدمها، وأذن الصبح عليها. ثم قال: اللهم إني هدمتها لك، فلا ترفع لها رأسا. قال: فما رفع لها رأس إلى الآن. قلت: وأدهى من ذلك وأمر، إقدامهم على قطع الطريق السابلة يجيزون في أحد الأبواب الثلاثة القديمة العادية التي هي من بناء الجن في زمن نبي الله سليمان بن داود -عليه السلام- ومن بناء ذي القرنين، وقيل فيها: غير ذلك مما يؤذن بالتقدم على ما نقلناه في كتاب "تاريخ مدينة دمشق" -حرسها الله- وهو الباب الشمالي، ذكر لهم بعض من لا يوثق به في شهور سنة ٦٣٦ أنه رأى مناما يقتضي أن ذلك المكان دفن فيه بعض أهل البيت. وقد أخبرني عنه ثقة أنه اعترف له أنه افتعل ذلك، فقطعوا طريق المارة فيه، وجعلوا الباب بكماله أصل مسجد مغصوبا، وقد كان الطريق يضيق بسالكيه، فتضاعف الضيق والحرج على من دخل ومن خرج، ضاعف الله عذاب من تسبب في بنائه، وأجزل ثواب من أعان على هدمه وإزالة اعتدائه، اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في هدم مسجد الضرار، المرصد لأعدائه من الكفار، فلم ينظر الشارع إلى كونه مسجدا، وهدمه لما قصد به من السوء والردى، وقال الله لنبيه:{لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} ١. نسأل الله الكريم معافاتنا من كل ما يخالف