هؤلاء من بعض الوجوه إذا رأى من يدعو إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، وأن لا يعبد الإنسان إلا الله، ولا يتوكل إلا عليه، استهزأ بذلك لما عنده من الشرك. وكثير من هؤلاء يخربون المساجد، ويعمرون المشاهد؛ فتجد المسجد الذي يبنى للصلوات الخمس معطلا مخرباً ليس له كسوة إلا من الناس، وكأنه خان من الخانات، والمشهد الذي بني على الميت فعليه المستور، وزينة الذهب والفضة والرخام، والنذور تغدو إليه وتروح، فهل هذا إلا من استخفافهم بالله وآياته ورسوله وتعظيمهم للشرك! فإنهم يعتقدون أن دعاءهم للميت الذي بني له المشهد، والاستغاثة به أنفع لهم من دعاء الله، والاستغاثة به في البيت الذي بني لله –عز وجل-؛ ففضلوا البيت الذي بني لدعاء المخلوق على البيت الذي بنى لدعاء الخالق. وإذا كان لهذا وقف ولهذا وقف، كان وقف الشرك أعظم عندهم، مضاهاة لمشركي العرب الذين ذكر الله حالهم في قوله:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً} ١ الآية: كانوا يجعلون له زرعا وماشية، ولآلهتهم زرعا وماشية، فإذا نضب نصيب آلهتهم أخذوا من نصيب الله فوضعوه فيه، وقالوا: الله غني وآلهتنا فقيرة، فيفضلون ما يجعل لغير الله على ما يجعل لله. وهكذا حال أهل الوقوف والنذور التي تبذل عندهم للمشاهد أعظم عندهم مما يبذل للمساجد ولعمار المساجد والجهاد في سبيل الله. وهؤلاء إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه بكى عنده وخضع، ويدعو، ويتضرع، ويحصل له من الرقة والتواضع والعبودية وحضور القلب ما لا يحصل له مثله في الصلوات الخمس والجمعة وقيام الليل وقراءة القرآن. فهل هذا الأمر إلا من حال المشركين المبتدعين؟ لا الموحدين