والقرآن مملوء من أمثال هذه الآية ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنه في نوع وقوم قد خلوا من قبل، ولم يعقبوا وارثا؛ وهذا هو الذي يحول بين المرء وفهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم، أو شر منهم، أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك. ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، وهذا لأن من لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه، وأقره، ودعا إليه، وصوبه، وحسنه، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية، أو نظيره، أو شر منه، أو دونه فينتقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، ويكفَّر الرجل بمحض الإيمان وتجريده التوحيد، ويبدع تجريد متابعة الرسول ومفارقة الأهواء والبدع ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانا والله المستعان ١. ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم؛ وهذا أصل شرك العالم، لأن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلا لمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده.
فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بأذنه، والله لم يجعل سؤال غيره سببا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد؛ فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، فهو بمنزلة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها. وهذه حالة كل مشرك. والميت محتاج إلى من يدعو له، ويترحم عليه ويستغفر له كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم
١ هذا آخر فصل من فصول مدارج السالكين ومما بعده من أثناء فصل آخر.