للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس هذا المشركون وزاروهم زيارة العبادة واستقضاء الحوائج والاستغاثة بهم، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد، وسموا قصدها حجا، واتخذوا عندها الوقفة وحلق الرأس؛ فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه ومعاداة أهل التوحيد، ونسبتهم إلى تنقيص الأموات. وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك، وأولياءه الموحدين له الذين لم يشركوا به شيئا بذمهم وعيبهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوهم به غاية التنقص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا، وأنهم أمروهم به، وأنهم يوالونهم عليه؛ وهؤلاء أعداء الرسل والتوحيد في كل زمان ومكان. وما أكثر المستجيبين لهم، ولله در خليله إبراهيم -عليه السلام- حيث قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} ١. وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرب بمقتهم إلى الله تعالى. انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-. فتأمل -رحمك الله- كلام هذا الإمام وتصريحه بأن من دعا الموتى، وتوجه إليهم، واستغاث بهم ليشفعوا له عند الله، فقد فعل الشرك الأكبر الذي بعث الله محمداًصلى الله عليه وسلم بإنكاره وتكفير من لم يتب منه وقتاله ومعاداته؛ وأن هذا قد وقع في زمانه، وأنهم غيروا دين الرسول صلى الله عليه وسلم وعادوا أهل التوحيد الذين يأمرونهم بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. وتأمل أيضاً قوله: وما أعز من تخلص من هذا! بل ما أعز من لا يعادي من أنكره! يتبين لك الأمر إن شاء الله. ولكن تأمل أرشدك الله قوله: وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من عادى المشركين ... إلى آخره،


١ سورة إبراهيم آية: ٣٥.

<<  <   >  >>