وإذا نحن وضعنا -جنبا إلى جنب- كما فعل علماء اللغة التاريخيون في أوائل القرن التاسع عشر صيغًا من لغات قديمة تشكل مجموعة تظن قرابتها النسبية "السنسكريتية واليونانية واللاتينية والقوطية والسلافية القديمة والكلتية القديمة" يتضح في الحال حقيقة هامة، وهي أن تلك اللغات تشترك جميعًا في شيئين اثنين: أحدهما التراكيب النحوية الأساسية، وثانيهما المفردات البدائية، وشيء ثالث يتضح بعد الدراسة المقارنة لعديد من الكلمات التي تحتوي على فونيمات معينة؛ وهو أنه يوجد بين هذه اللغات تقابل فونولوجي فحين نجد بعضها يشتمل على صوت الـ"p" في أول الكلمة، نجد بعضها الآخر يضع مكانه صوت الـ"f" وبعضًا آخر صوت الـ"h" وأحيانا لا نجد لهذا الصوت مقابلا في بعض آخر.
وقد سمح هذا -ولا شك- للغويين التاريخيين بأن يتوصلوا إلى عمل جداول توضح التقابلات الفونولوجية بين اللغات، وأن يتنبئوا -مع قدر كبير من الثقة- بأنه إذا ظهر صوت "p" في أول الكلمة في لفظ في السنسكريتية واليونانية واللاتينية، والسلافية فسيظهر في شكل "F" في الجرمانية، وفي شكل "h" في الأرمينية، وسيسقط تمامًا في اللغة الكلتية، وبالإضافة إلى قيمة هذه الجداول باعتبارها دليلا على وجود علاقات قوية بين هذه اللغات التي أطلق عليها فيما بعد اسم lndo-European فإنها تساعد كذلك على إعطاء بعض التنبؤات عن الصورة التي كانت عليها اللغة الأم، فبعد أخذ عينات مختلفة من التركيبات النحوية، وخصوصًا المتطابق منها، وعينات من المفردات اللغوية، وأخرى من الفونيمات التي تأخذ دورًا بارزًا في الكلمات المتقابلة في مختلف اللغات يمكن للباحثين أن يعيدوا تركيب اللغة الأم، ولو بصورة تقريبية على الأقل، بمظاهرها وصيغها وهي لغة لم يصل إلينا منها أي تسجيلات مكتوبة ومن الممكن حينئذ أن يقال إن المقارنة ربما تؤدي إلى إعادة بناء لغة ما، وهو -في حد ذاته- شيء له طريقته الفنية ومنهجه الخاص.
وكما تؤدي الدراسة المقارنة إلى اكتشاف علاقات وطيدة بين مجموعة