الشخصيات ذوات الثقافات اللغوية المختلفة تتحادث بحرية، وبغير ما حاجة ظاهرة إلى تدخل مترجم. وهذا التقليل من العامل اللغوي -الذي يتضمن لا مبالاة أخطر حتى من الجهل- وجد في صورة مماثلة في العصر الحديث, وذلك في الأفلام المبكرة لهوليود, ولم يأت التصويب والنظرة الواقعية إلا في فترة متأخرة، نتيجة لنضج التفكير.
وإن الوعي اللغوي -بمعناه الاصطلاحي الحديث- المؤسس على الملاحظة والتحليل والتركيب والتعميم لمما يفتقده المرء في مثل تلك الدراسات. وكثير من النتائج الأساسية الصحيحة التي توصل إليها النحاة الأقدمون كانت من آثار الصدفة أكثر منها من آثار المنهج, وبين عامي ٤٠٠ و١٠٠٠م كان هناك قدر قليل دال على وعي لغوي، ربما اعترف به اللغوي الحديث كشيء جدير بالتقدير بالإضافة إلى ما تم من ترجمات للكتاب المقدس، وأدعية الحجاج, وإن كان كلاهما يغلب عليه الطابع المنفعي.
وفوق كل هذا فإن هناك قليلا من الشواهد في عصر ما قبل النهضة تدل على الاهتداء إلى تصنيف اللغات، واكتشاف قراباتها والعلائق بينها, وقد كان اليونانيون -الذين كانوا على وعي فقط بلغتهم- يجمعون كل المتكلمين باللغات الأخرى، ويحكمون عليهم بصفات محتقرة كالعجمة أو البربرية أو التخليط. ولم يترك الرومانيون -الذين كانوا يظهرون احتراما للغة أجنبية واحدة فقط وهي اليونانية- لم يتركوا لنا إشارات ذات قيمة تتعلق بلغات مثل الـGoulish, والـIberian, والـEtruscan, والـPunic. وقد وقع Varro النحوي الروماني الوحيد الذي خاطر فتحدث بطريق التخمين عن وجود علاقة بين اليونانية واللاتينية، وقع في نتائج خاطئة.
الصورة إذن من الجانب اللغوي التاريخي ليست مشجعة تماما. أما بالنسبة لعلماء اللغة الوصفيين فقد كان وصفهم أفضل قليلا بالنظر إلى دراساتهم الوصفية.
للغات السنسكريتية واليونانية واللاتينية التي كانت دقيقة إلى حد كبير، ولو أنها كانت تعالج لغات كانت قد وصلت حينئذ إلى درجة من العقم والجمود.