أما وظيفة علم اللغة الوصفي فهي أساسا وضع الأسس والمعايير التي تقبل التطبيق على مادة اللغة كلها, وكذلك وصف اللغات كل على حدة بدقة.
ومن الممكن أن نستخلص من هذه الدراسات الوصفية أسسا مفيدة، ومناهج تساعد في تعليم اللغة وتعلمها إذا أريد توجيه الأعمال الوصفية للنفع بدقة وذكاء, ولكن مهمة عالم اللغة تنتهي بمجرد أن يقدم لنا بكل دقة أعماله الوصفية, وفيما وراء ذلك، فإما أن يحول عالم اللغة الوصفي نفسه إلى معلم لغة "وهو غالبا غير مؤهل لذلك"، أو أن يترك الميدان لمعلم اللغة المؤهل.
وإن مؤهلات معلم اللغة لمتعددة ومتنوعة, فلا بد أولا أن يكون على علم باللغة التي يدرسها، ويمكنه أن يتكلمها ويفهمها كلغته الوطنية، أو أقل قليلا, كذلك يجب أن يكون على قدر من المعرفة بلغة المتعلمين تمكنه من أن يقارن اللغتين لنفسه إن لم يكن لتلامذته، وأن يصل إلى أوجه الخلاف الأساسية بينهما ومناطق الصعوبة فيهما, وهو إلى جانب هذا لا بد أن يكون ذا أذن مدربة سريعة وصبر لا ينفد أثناء الشرح، وقدرة على وضع التمارين والتدريبات الكثيرة.
وكل هذا يعني أن عالم اللغة -تاريخيا كان أو وصفيا أو جغرافيا- ليس بطبيعته ذا موهبة لتعليم اللغات المتكلمة، وإن كان يوجد بينهم من يحمل هذه الموهبة. إن معلم اللغة ليس في حاجة إلى أن يكون عالم لغة بأي معنى من المعاني الثلاثة، وعالم اللغة ليس في حاجة كذلك إلى أن يكون معلم لغة.
ولكن معلم اللغة لا بد أن يكون مؤهلا لتلقي إرشادات عالم اللغة، وراغبا في تطبيقها على تدريس اللغة, ومهما كانت المعلومات التي يقدمها له عالم اللغة فهي مفيدة في وظيفته, ومن عالم اللغة التاريخي يتحصل معلم اللغة على معلومات ودراسات تصل اتصالا وثيقا بتاريخ الأدب والثقافة للمنطقة التي يدرس لغتها وبنظامها الكتابي, وعالم اللغة الجغرافي يمكن أن يدله على جوانب الأهمية في لغته، وسبب هذه الأمية، وما أقسامها وصلاتها، وما الأسباب التي تدعو إلى دراستها، وعالم اللغة الوصفي يمكن أن يقدم له معلومات ذات قيمة عظمى