جيلنا هذا الذي نعيش فيه، من أقل الأجيال المصرية حظا من الدعة والراحة والطمأنينة؛ لأن المرحلة التاريخية التي يمر بها هذا الجيل، تتطلب منه أقصى غايات اليقظة، ومنتهى آماد الجهد، لقد عاشت مصر قرونا طويلة في ظل الاستعباد، والخوف، والجهل، وفقدان الثقة بالنفس، فكانت الأجيال التي عاشت في هذه القرون تألف الاستعباد فلا تتعلق بالحرية، وترضخ للخوف فتعزف عن التعبير، ويغمرها الجهل فلا تبتكر في العلم، وتعوزها الثقة بالنفس فلا تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
ذلك الطابع السلبي في الحياة المصرية، كان صفة غالبة في كل مجالات النشاط الفردي والاجتماعي؛ فقد المصري الاعتداد بالنفس في السياسة، فساسه كل طامع حتى المماليك، وفقد اعتداده بنفسه في العلم، فرضي بالقابلية دون الفاعلية: القابلية التي تقنع من المجهود العلمي بترديد آراء السلف، دون الإضافة إليها، والفاعلية المنتجة التي لا يستغنى عنها شعب يريد الحياة لنفسه، وفقد الاعتداد بالنفس في الحرب، فأصبحت جيوش مصر من غير أبناء مصر، وفقد الاعتداد بالشعب، فلم تقم في مصر ثورة واحدة، ذات خطر طوال هذه الآماد الطويلة، التي مرت على مصر المستعبدة الخاضعة.
ثم هبت على مصر ريح جديدة شعبية وطنية، فنفخت في الصور، وهب الراقدون من موتهم حيارى في هذا الفزع الأكبر، لا يدرون أي طريق يسلكون ولا أي سبيل يقودهم إلى النجاة والفلاح، وتشعبت المسالك أمام الشعب بعد أن تثاءب، وتمطي ونفض عن نفسه غبار الموت، فوجد أمامه طريقا في الماضي يقوده إلى التراث العربي الخصب، ورأى أنه لو بعث هذا التراث، وأحياه لكان دافعا