للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبما كتبه أرسطو، فخلط فيه بين الدراسات اللغوية والدراسات الفلسفية. وأوضح مثال لذلك هو العلل والأقيسة في النحو. "ومما يجب أن يسقط من النحو العلل الثواني والثوالث، وذلك مثل سؤال السائل عن "زيد" من قولنا: "قام زيد" لم رفع؟ فيقال: لأنه فاعل، وكل فاعل مرفوع، فيقول: ولم رفع الفاعل؟ فالصواب أن يقال له: كذا نطقت به العرب. ثبت ذلك بالاستقراء من الكلام المتواتر.

ولا فرق بين ذلك، وبين من عرف أن شيئا ما حرام بالنص، ولا يحتاج فيه إلى استنباط علة، ليقل حكمه إلى غيره، فسأل لم حرم؟ فإن الجواب على ذلك غير واجب على الفقيه١"، وقد قسم ابن مضاء العلل إلى ثلاثة أقسام: قسم مقطوع به، وقسم فيه إقناع وقسم مقطوع بفساده.

والفرق عنده بين العلل الأول، والثواني أن الأول تؤدي إلى المعرفة بنطق العرب، ولا كذلك الثواني فهي لا تفيدنا إلا أن العرب أمة حكيمة، وهذا كلام صريح من ابن مضاء في اتهام النحاة بالميل إلى المنطق، ميلا يخرج بالدراسات النحوية عن طبيعتها، ويقول ابن جني٢: "اعلم أن علل جل النحويين، وأعني بذلك حذاقهم المتقنين، لا ألفافهم المستضعفين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين، وذلك أنها إنما هي أعلام، وأمارات لوقوع الأحكام ووجود الحكمة فيها خفية عنا، غير بادية الصفحة لنا".

"والعرب أمة حكيمة، فكيف تشبه شيئا بشيء، وتحكم عليه بحكمه، وعلة حكم الأصل غير موجودة في الفرع، وإذا فعل واحد من النحويين ذلك جهل ولم يقبل قوله، فلم ينسبون إلى العرب ما يجهل به بعضهم بعضا؟ وذلك: أنهم لا يقيسون الشيء ويحكمون عليه بحكمه، إلا إذا كانت علة حكم الأصل موجودة في الفرع! وقد فعلوا ذلك في تشبيه الاسم بالفعل في العمل، وتشبيههم إن وأخواتها بالأفعال المتعدية في العمل"٣. نعم لقد قاس النحاة بعض الحكام على بعض، كما يفعل الفقهاء وأدى بهم ذلك إلى تصحيح ما لم يرد سماعه عن العرب، فجعلوا


١ الرد على النحاة ص١٥١.
٢ الخصائص ص٤٦.
٣ الرد على النحاة ص٦-١٥٧.

<<  <   >  >>