للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اهتمامك له، والبذل من أجله لتخلصه من هذه الشدة، وإنك لتقابل الشخص تعرفه وليس بينك وبينه صادقة، فيتوقف استمراره الصلة على بضع كلمات آلية ترددانها مثل صباح الخير، أو السلام عليكم، أو كيف الحال؟ تقولانها وأنتما لا تقصدان منها غير العمل في إنهاء الموقف، دون إضرار بالمعرفة السابقة، وإذا كان الناس أعداء ما جهلوا، فإن أكثر الأمم جلبا للأصدقاء، هي تلك التي تعمل على تعريف الأمم الأخرى بها، سواء في ماضيها أو في حاضرها، أو في آمالها الطموحة إلى المستقبل، فإذا كانت اللغة خير وسيلة لهذا التعريف، فما أخطر اللغة إذا! لأن الأمة تستطيع أن تكسب الأصدقاء لنفسها، إذا عملت على أن يكثر عدد العالمين بلغتها من الأجانب، وكل أجنبي يتعلم لغتك مكسب لك؛ لأنه يجد نفسه أكثر استعدادا للشعور، كما تشعر والتفكير كما تفكر، ويعطف على آمالك وآلامك التي تعلمها من قراءة لغتك، والكلام بها.

فطن الأوربيون إلى ذلك منذ زمن بعيد؛ فأنشأوا مدارس لهم في البلاد الأجنبية تعلم لغاتهم؛ فكانت لغاتهم أول سلاح من أسلحة السيطرة على البلاد، التي استعمروها؛ لأن اللغة كانت القنطرة، التي عبرت عليها المسيحية من عقل الأوروبي إلى قلب الأفريقي والأسيوي، كما كان الإسلام من قبل يسير جنبا إلى جنب مع اللغة العربية، ولعل المجلس البريطاني قد كسب لانجلترا من الأصدقاء، ما لم تحلم به سفاراتها وبعثاتها السياسية.

فإذا كان للغة هذا الخطر على نفس المواطنين، والجانب فحري بدراستها أن تكون محل عناية، وموضع اهتمام، ولقد حاربنا المستعمرون قديما بأن غرسوا في نفوسنا احتقار اللغة العربية؛ فأفقدونا ثقتنا بأنفسنا وبتاريخنا ومستقبلنا، وأصبح الكلام بلغتنا موضع تندر، وتكلمت الأسرات العريقة إحدى اللغات الأجنبية تركية كانت، أم فرنسية أم غير ذلك، وولغ الناس في سمعة مدرس اللغة العربية، كما يعتدون على سمعة كل طائفة قليلة الدخل، ولحقت عدوى احتقار اللغة طائفة المحامين في مبدأ نشأتها، ولا تزال تلحق طائفة المسرحيين من الممثلين في بعض الأوساط، ولكن وزارة المعارف قد عملت في ربع قرن على أن تداوي بعض

<<  <   >  >>