للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا تدعه يعرف السبب الذي من أجله، تطلب إليه أن ينطق هذا المثال أو ذاك.

ولا تقل له: إنني أريد أن أرى من نطقك، التي طلبته منك أن أرى ما إذا كان الصوت الفلاني مفخما، أو مرققا في هذا المثال؛ لأن ذلك يجعله يضطرب في تحديد القيمة الصوتية الصحيحة لهذا الصوت، فإما أن يبالغ في التفخيم، وإما أن يبالغ في الترقيق، وإما أن يتوسط بينهما على حساب القيمة الصحيحة للصوت، وبعبارة أخرى سيقوده هذا إلى الوعي بنطقه؛ والوعي بالنطق أول مراحل التلجلج.

وليس من المفيد أيضا، أن تواجهه بالاستفهام عن أحد احتمالين لا ثالث لهما؛ كأن تقول له: أفي هذا الموضع حركة أم سكون، فربما كان هذا موضعا من مواضع القلقة التي لا هي بالحركة ولا بالسكون، وخير ما يفعل في هذه الحالة -إذا أمكن- أن تكتب الكلمة بالأبجدية، التي تكتب بها اللهجة، وتسأل مساعدك أن ينطقها لك، وأنت تلاحظ بعد ذلك كيف ينطق، فإن كان غير كاتب ولا قارئ، أو لم تكن للهجته أبجدية تكتب بها، فاسأله عن الكلمة التي يطلقها على المعنى الفلاني، على أن تكون هذه هي الكلمة التي تبحث عنها. فجوابه لك حينئذ يكون بنطق الكلمة نطقا صحيحا، تستطيع -إذا أردت- أن تطلب إليه أن يعيده قدر ما تشاء.

والميزة التي تمتاز بها الملاحظة على الطرق الميكانيكية في البحث، تكمن في أن الأذن الإنسانية أكثر الآلات ضبطا للاستخدام في الأغراض اللغوية، زد على ذلك أن المادة التي تبحث بالأذن، إنما هي الكلام الحي نفسه، في مقابل ما يدرس على الحنك الصناعي، وهو بصمة اللسان، وما يدرس على الكيموغراف وهو التعريجات الكتابية، وما يدرس بالآشعة فوق البنفسجية، وهو صورة الجهاز النطقي في وضع ثابت معين.

واستخراج الحقائق من الملاحظة استخراج مباشر، ومن الآلات غير مباشر. ولعل طريقة واحدة من طرق الملاحظة، قد نجحت في التغلب على عامل التوقيت بخلق دوام من نوع معين للنطق، تلك هي طريقة تسجيل الصوت تسجيلا يجعله في المتناول كلما أريد سماعه، فهو يسمع حينذاك بكل خصائصه التي فيه دون أن يتأثر القرص بالعوامل الخارجية، عضلية كانت أو نفسية كما يتأثر المتكلم.

<<  <   >  >>