جاه أو شرف. كثير العطف على الفقراء والمساكين يؤنسهم بحديثه ويقبل عليهم بوجهه حتى أن أحدهم يقبل عليه وهو يرتجف هيبة ووقارا ثم يتحدث إليه برفق وبساطة حتى يعيد إليه هدوءه وانسه متواضع لا يعرف الكبر ولا العجب سبيلا إلي نفسه وقلبه، بكره التفريط في الوقت وأضاعته، كنت لا أراه إلا ممسكا بكتاب يقرؤه قراءة الباحث المنقب.
ولما ضعف بصره استبدل بقراءته قارئا يصحبه أينما كان وكثيرا ما تشرفت بالقراءة عليه كان لا يدع القراءة إلا ليعود إليها وبين المغرب والعشاء تكون داره أشبه بندوة علمية يحضرها طلبة العلم وكلهم ممسك بكتابه وأحدهم يقرأ حتى يرتفع صوت المؤذن يدعو لصلاة العشاء "عليكم بالدأب على قراءة النافع من الكتب فهي أفضل ما أنفقتم أوقاتكم فيه" كان حريصا على صلة الرحم وكم تحمل في سبيل ذلك من الأذى وكان يلقى الجحود والنكران وكنا نشفق عليه من سماع ما يوجه إليه ولكنه يخلف ظنوننا ويتلقى كل ذلك بهدوء المؤمن الصابر ويقول "هذا لا يضرني" وإذا بلغ به ما سمعه كان يقول: هداهم الله ولقد سمعته ومعي غيري يقول: من نعمة الله علي أنني لم أحدث نفسي يوما بالانتقام لها وقد عودني ربي أن يدافع عني وكان مرافقوه شديدي الدهشة على هذه المواقف الكريمة التي كان يقفها ممن يريد الإساءة إليه إذ كان يقابل إساءتهم بالصفح والتجاوز فعاش سليم الصدر لم يبت ليلة حاقدا على أحد ولم ير غاضبا لنفسه بل لم يكن يغضب إلا إذا تناهى إلي مسامعه انتهاك حرمات الله أو مجاهرة بمنكر أو الإقدام على معصية انه حينذاك يثور ولا يهدأ حتى ينتصر لحدود الله مهما كان معتديها. فعلمنا دروسا كريمة نبيلة قال لي يوما _ ويده اليمني يتخلل بأصابعها لحيته البيضاء _ طيب الله ثراه _ قال: اسمع يا بني لا تحاول يوما أن تنتصر لنفسك فإنك أن كنت على حق فسيدافع الله عنك وأن لم تكن عليه فليكن حديثهم عنك دافعا لك إلي العودة إلي الحق الذي لا أرتضي لك مجاوزته وقال لي يوما: أوصيك بصلة وحمك فصلتها خير لك في دنياك وأخرتك. وكثيرا ما استشهد بالأحاديث النبوية