للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هنا يستيقظ عقل خاص فيتطلع إلى الكون حوله فيراه مسخرا له:

إما بقدرته المباشرة حيث ذلل الله لها الأرض، أو بالنواميس التي أودعها الله في الكون وتكفلت بسد حاجات البشر ثم يتدبر فيراه في رحمة الله مغموسا.

لا يستطيع الخروج منها إلا إلى الموت وهنا يرتجف فؤاده ويخشع ويسجد لله شاكرا مسلما حنيفا إن كان من العاقلين١.

وهكذا يقلب القرآن قلوب البشر بين رغبة ورهبة كأنما يهدهد تارة ويؤخر أخرى ليستثير فيهم آصرة الفطرة التي فطر الله الناس عليها ليؤمنوا بالله وحده ويعظموه فيردهم إلى مثل صغير من حياتهم تعجز عنه قواهم ويعجز عنه تصورهم وهو مثل يقع في كل لحظة من ليل أو نهار.

{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .

كل عالم وباحث ومفكر وفيلسوف وأديب وطبيب وصانع ماهر يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئا صغيرا أو كبيرا أو أدنى من ذلك, فما اكتسبه من خبرات أو علم أو فن بعد ذلك, فإنما هو هبة من نعم الله التي ينعم بها على البشر بالقدر الذي أراده لهم وخلقهم له, وركب فيهم من المدارك والقدرات والذكاء, وجعل لهم بهذا القدر كفاية


١ راجع في ظلال القرآن ج١٣ ص١٦٦، ١٦٩.

<<  <   >  >>