يروي ابن هشام: أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من من قريش وكان ذا سن فيهم, وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم, وفود العرب ستقدم عليكم فيه, وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا, ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا, ويرد قولكم بعضه بعضا.
قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس! فقل وأقم لنا رأيا نقول به. قال: بل أنتم فقولوا أسمع. قالوا: نقول كاهن. قال: لا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه. قالوا: نقول: مجنون. قال: ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. قالوا: فنقول: شاعر؟ قال: ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر. قالوا: نقول: ساحر. قال: ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم. قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل, وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته, فتفرقوا على ذلك١.