قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئا, ولا أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله, فغدوت إلى المسجد, فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة, فقمت قريبا منه, فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله, فسمعت كلاما حسنا, فقلت في نفسي: إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟
فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلت, وإن كان قبيحا تركت, فمكثت حتى انصرف إلى بيته فتبعته, فقلت: إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا, فاعرض علي أمرك فعرض علي الإسلام, وتلا القرآن, فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه, ولا أمرا أعدل منه, فأسلمت١.
لقد اختار القوم كلمة السحر كدعاية مشوهة، ولكن الاستقطاب الذي نشرته الدعوة كان له جاذبية أقوى، فانشد الطفيل على الرغم مما قالوه عنده وانجذب إلى معرفة الحق الذي جاء به سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فلما سمع وهو رجل لبيب شاعر لا يغيب عنه تمييز الحق من الباطل أسلم, وكان إسلامه خيرا عميما على الإسلام.