انتصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن هذا النصر يرتبط بمضي إقامة العقيدة بحقيقتها الكاملة في الأرض، فإن هذه العقيدة لا يتم تمامها إلا إذا هيمنت على حياة الجماعة البشرية في كل تصرفاتها من قلب الفرد الواحد، حتى الدولة القائمة على الحكم بإذن الله, وقد شاء الله أن ينتصر صاحب هذه العقيدة عليه أفضل الصلاة والسلام في حياته؛ ليحقق هذه العقيدة في صورتها الكاملة ويتركها من بعده حقيقة مقرة في واقع تاريخي ملموس مشهود, ومن هنا اتصلت صورة النصر القريبة بصورة أخرى بعيدة, واتحدت الصورة الظاهرة مع الصورة الحقيقية؛ لأن الله أراد هذا ورتبه؛ ذلك لأن وعد الله قائم برسله والذين آمنوا معهم فلا بد أن توجد حقيقة الإيمان في القلوب التي ينطبق عليها هذا الوعد.
وثمة اعتبار آخر أن كثيرا ما يتجاوز الناس في إدراك حقيقة الإيمان, وهي لا توجد إلا حين يخلو القلب من الشرك في كل صوره وأشكاله, وأن هناك أشكالا من الشرك خفية لا يخلص منها القلب إلا حين يتوجه لله وحده، ويتوكل عليه وحده، ويطمئن إلى قضائه وحده، ويحس أن الله وحده هو الذي يصرفه، فلا خيرة له إلا ما اختاره الله له:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ربُّ العَالمينَ} ١.
ويلتقي هذا كله بالثقة والطمأنينة والرضا والقبول, وحين يصل الإنسان إلى هذه الدرجة فلم يجد في نفسه محلا لسؤال يقدمه بين يدي الله العلي العظيم, ولن يجد من نفسه جرأة يقترح على الله صورة