ليأخذ كل بما لاق به وما قدر عليه من تلك المحاسن الكليات، وما استطاع من تلك المكارم في التوجه بها للواحد المعبود من إقامة الصلوات فرضها ونفلها حسبما بينه الكتاب والسنة، وإنفاق الأموال في إعانة المحتاجين ومواساة الفقراء والمساكين من غير تقدير مقرر في الشريعة، وصلة الأرحام قربت أو بعدت على حسب ما تستحسنه العقول السليمة في ذلك الترتيب ومراعاة حقوق الجوار, وحقوق الملة الجامعة بين الأقارب والأجانب, وإصلاح ذات البين بالنسبة إلى جميع الخلق, والدفع بالتي هي أحسن، وما أشبه ذلك من المشروعات التي لم ينص على تقييدها بعد، وكذلك الأمر فيما نهى عنه من المنكرات والفواحش على مراتبها في القبح, فإنهم كانوا مثابرين على مجانبتها مثابرتهم على التلبس بالمحاسن، فكان المسلمون في تلك الأحيان آخذين فيها بأقصى مجهودهم وعاملين على مقتضاها بغاية موجودهم, وهكذا بعدما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.
إلا أن خطة الإسلام اتسعت ودخل الناس في دين الله أفواجا ربما وقعت بينهم مشاحنات في المعاملات ومطالبات بأقصى ما يحق لهم في مقطع الحق، أو عرضت لهم خصوصيات ضرورات تقتضي أحكاما خاصة أو بدت من بعضهم فلتات في مخالفة المشروعات وارتكاب الممنوعات، فاحتاجوا عند ذلك إلى حدود تقتضيها العوارض الطارئة، ومشروعات تكمل لهم تلك المقدمات، وتقييدات تفصل لهم بين الواجبات والمندوبات والمحرمات والمكروهات، إذا كان أكثرها جزئيات "يعني إضافية" لا تستقل بإدراكها العقول السليمة فضلا عن غيرها