وقد كانوا في مكة مأمورين بالصبر في مواجهة الأذى وكف الله أيديهم عن الظالمين تخليصا لعقيدتهم من الاتهام بالفوضى، وفرصة للمعاندين أن يثوبوا إلى رشدهم فما يتحمل هؤلاء العذاب وهم قادرون على رد العدوان بمثله إلا لأنهم لا يبتغون من وراء عقيدتهم شياء إلا تحقيق العبودية لله وحده، ولكن الآية هنا في مكة تبرز صفة الجماعة الإسلامية بأنهم إذا بغى عليهم ينتصرون، وفيه يلمح المسلم اليقظ أن انتصار المسلمين في مكة على بغي الكافرين قد بدأ بالصبر وتحمل الأذى وأن طبيعة الدعوة الإسلامية دائما أن ترد الاعتداء ولا تعتدي أبدأ حتى في العهد المدني ما كان القتال وهو صورة من صور الجهاد إلا ردا على اعتداء الكافرين، وتثبت القاعدة {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} وقاعدة الجهاد في المدينة "ولا تعتدو إن الله لا يحب المعتدين".
والجهاد بصورتيه الماضيتين: في مكة والمدينة أساسه تحقيق العبودية لله من جميع البشر ليس وراء ذلك طمع في مال أو شرف أو جاه أو سمعة..
وتقع هاتان الصفتان وسط صفات أساسية حقوقوها نأصبحوا في حظيرة العبودية لله واعترفوا بسلطانه الجليل فأطاعوه طاعة عمياء مطلقة، وأعطوه من أنفسهم المقادة واستسلموا لحكمه وجعلوا أهواءهم