للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى رمال الطريق السوي يتهادى أجل موكب: ناقتان تحملان أعظم رجل في الوجود الإنساني كله.

جاء يعلم الناس كرامتهم, ويرد إليهم إنسانيتهم, ويدلهم على الصراط المستقيم, ويضمن لهم سعادة الدنيا, وسعادة الآخرة لا يريد منهم جزاء ولا شكورا, ولا يكون فيهم ملكا ولا جبارا, ولكنه بالمؤمنين رءوف رحيم.

وينطلق سراقة تدفعه شهوة المال وظمأ الثروة, ويجري وهو يلهث، والركب النبوي تحوطه الرعاية الإلهية حتى يصل الركب إلى دار أم معبد عاتكة١ بنت خالد الخزاعية, فيقيل عندها يوم الثلاثاء ويطلبون منها لبنا أو لحما يشترونه منها, فلم يجدوا عندها شيئا وقالت لهم: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم القرى, فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة في كسر الخيمة خلفها الجهد عن الغنم, فسألها -صلى الله عليه وسلم: "هل بها من لبن؟ " , فقالت: هي أجهد من ذلك, فقال: "أتأذنين لي أن أحلبها؟ " , فقالت: نعم بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حليبا فاحلبها، فدعا بالشاة فاعتقلها, ومسح ضرعها وسمى الله, فتفاجت ودرت, ودعا بإناء يربض الرهط -أي يشبع الجماعة حتى يربضوا- فحلب فيه ثجا -حلبا قويا- وسقى القوم بعد أن سقى أم معبد حتى رويت ورووا, ثم شرب -صلى الله عليه وسلم- آخرهم, وقال: "ساقي القوم آخرهم شربا" , ثم حلب فيه مرة أخرى فشربوا عللا بعد نهل ثم حلب فيه أخرى وغادره عندها


١ الطبقات الكبرى لابن سعد ج١ ص٢٣٢.

<<  <   >  >>