للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوهّاب بن رستم إمام الدولة الإباضية في تاهرت لافتا إيّاه لخطورة وجود إدريس في جبل نفّوسة «لعداوته لك ولمن مضى من سلفك، ولو ظفر بك لتقرّب بدمك إلى الله. . .» [١]، وتضيف رواية «أخبار فخ»: «وكان إدريس قد دعا أهل نفوسة إلى حقّه وبيّن لهم خطأ ما هم عليه من البراءة من علي بن أبي طالب، فاستجاب له منهم خلق وأبى ذلك أكثرهم. .».

وللدارس أن يتساءل عن مدى دقّة هذه المعلومات التي تقدمها المخطوطة، فلماذا يتّجه إدريس للحلول بين جماعة الإباضيّة في جبل نفّوسة لبثّ الدعوة بينهم واستمالتهم إلى جانبه رغم عدائهم «الإيديولوجي» المعروف؟ ألم يكن في جبال المغرب وواحاته ومستقراته متّسع له ولدعوته؟ ثم أليس في هذا المخطط تسرّع وعدم إدراك لطبيعة العلاقات السياسيّة في البلاد؟ فقد أدّت هذه الخطوة لتحالف ولاة العباسيين-آل المهلب الطامحين في السلطة-مع الإباضيّة ضدّه. وقد كانت الخريطة السياسية والقبلية شديدة التنوع في المغرب في ذلك العصر الذي اتسم بالغموض، وكان ممكنا لإدريس في غمرة هذا التنوع وهذه الفوضى أن يجد لدعوته منفذا بعيدا عن الخلافات والمراكز التي انتشرت فيها الإباضية الذين كانت دعوتهم قد وجدت طريقا لها من بداية القرن والذين كانوا قد أعلنوا إمامتهم على رأس الأربعين ومائة أي قبل ما يزيد عن ربع قرن على قدوم إدريس. ثم إنّ راشد [اسحاق بن راشد في مخطوطة أخبار فخ]، كان معتزليا ومن قبيلة أوربة-بحسب المصادر-أي أنّه من أبناء البلاد، كما أننا نفترض أنّه كان للزيدية دعاة مبثوثون في إفريقية والمغرب وأنهم كانوا على معرفة بالبلاد وأوضاعها. وسوف أستعرض باختصار الأخبار التي وردت في المخطوطة: فقد بثّ إدريس دعوته ضمن قبائل نفوسة واستجاب له منهم خلق، فكاتبهم عبد الوهاب بن رستم وأمرهم بتسليم إدريس فانقسم رأيهم وجملوه إلى حيث يأمن وخرج معه ألف من أهل نفوسة حتى بلغ مليانة، وكان إدريس كاتب


[١] أخبار فخ ١٧٤.

<<  <   >  >>