إن هذه المبادئ, وإن كانت قد صدرت في وثيقة دولية في منتصف القرن العشرين الميلادي، إلا أنها كانت تشكل حلما جميلا وغاية نبيلة للإنسان عبر عنها المصلحون والحكماء منذ فجر التاريخ؛ فقد دعا الشاعر اليوناني هوميروس في الأوديسا قائلا:"احترم الإنسان، واحفظ حق الفقير"، وقد صدر على أثر الثورة الأمريكية "١٧٧٦" والثورة الفرنسية "١٨٧٩" إعلانات أكدت على أن الناس خلقوا أحرارا متساوين في الحقوق, وأن هدف الدولة -أي دولة- هو المحافظة على حقوق الإنسان في الحياة والحرية والأمن والتملك، ومنع تقييد تلك الحرية إلا بحكم القانون، وبعد ضمان المحاكمة العادلة وغير ذلك من المبادئ الإنسانية والضمانات القانونية.
إن من الواضح أن الهدف الظاهري للإعلان -على الأقل- هو تسليح الإنسان ليكون عضوا فاعلا في مجتمعه، وتأكيد حقه في الحياة الكريمة الآمنة، والافتراض بأن مجتمعا إنسانيا يتشكل من هذا النوع من الأفراد، جدير بأن يحمل مسئولياته في بناء عالم جديد يقوم على العدالة، والمساواة بين الشعوب، ويتضامن لحفظ سلام عالمي أكيد يحمي الإنسانية من مخاوف الدمار الشامل، وسوف يتضح لنا مع استمرار هذا البحث أنه ما من هدف إنساني تضمنه الإعلان العالمي إلا وله سند في العقيدة الإسلامية، مع فارق أساسي هو أن هذه الحقوق هي جزء من حقوق الله على العباد، مما يكسبها قداسة خاصة، ويجعلها فرائض يثاب فاعلها ويعاقب تاركها.
على أن إعادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وخصوصا بعد فترة طويلة من التطبيق تثير ملاحظات جوهرية، أولها أن الإعلان جاء يعكس المناخ الذي صدر فيه، وهو مناخ الحرب العالمية الثانية، وجاء يصور العالم الجديد كما أراده المنتصرون في تلك الحرب، أما "الإنسان" فهو الإنسان الأوروبي الذي قاسى في الحرب وناضل حتى خرج منتصرا. ويمكن أن نقدم دليلا على ذلك: أن الأمم المتحدة التي أصدرت الإعلان، كانت هي نفس المنظمة التي أصدرت قرار تقسيم فلسطين, متحدية كل القيم الأخلاقية، والقوانين الدولية قبل عام واحد من إصدار الإعلان، وظل هذا الموقف يحكم