للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلكوا هم طرقاً أُخَر.

فلو كانت هذه الطريقة صحيحة عقلاً، وقد شهد لها الرسول والمؤمنون الذين لا يجتمعون على ضلالة بأنها طريق صحيحة، لم يتعيّن، مع إمكان سلوك طرق أُخرى١.

كما أنّه في القرآن سور وآيات قد ثبت بالنصّ والإجماع أنها من آيات الله الدالّة على الهدى. ومع هذا، فإذا اهتدى الرجل بغيرها، وقام بالواجب، ومات ولم يعلم بها، ولم يتمكن من سماعها، لم يضرّه؛ كالآيات المكيّة التي اهتدى بها من آمن ومات في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل سائر القرآن. فالدليل يجب طرده، لا يجب عكسه٢


١ فكيف! وهي طريق بدعيّة لم ترد في كتاب الله، ولا سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يسلكها أحدٌ من الصحابة الموصوفين بالعلم والإيمان، وكذا التابعون لهم بإحسان.
٢ الطرد: ما يوجب الحكم لوجود العلة؛ وهو التلازم في الثبوت.
والعكس: عبارة عن تعليق نقيض الحكم المذكور بنقيض علته المذكورة.
وقيل العكس: عدم الحكم لعدم العلة.
انظر: التعريفات للجرجاني ص ١٨٣، ١٩٨. والعدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى ١/٧٧.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية موضّحاً هذه القاعدة - فالدليل يجب طرده، لا يجب عكسه - في بعض مؤلفاته: "فمن المعلوم أنّ الدليل يجب طرده، وهو ملزوم للمدلول عليه؛ فيلزم من ثبوت الدليل ثبوت المدلول عليه، ولا يجب عكسه؛ فلا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول له. وهذا كالمخلوقات؛ فإنّها آية للخالق؛ فيلزم من ثبوتها ثبوت الخالق، ولا يلزم من وجود الخالق وجودها. وكذلك الآيات الدالاّت على نبوة النبيّ. وكذلك كثير من الأخبار والأقيسة الدالّة على بعض الأحكام، يلزم من ثبوتها ثبوت الحكم، ولا يلزم من عدمها عدمه؛ إذ قد يكون الحكم معلوماً بدليل آخر..". درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٥/٢٦٩-٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>