للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون أنّه يَرحَم، ولا يُرحَم. فإذا قيل: إنّ الودود بمعنى الوادّ، لزم أن يكون مودوداً، بخلاف العكس. فالصواب القطع بأنّ الودود هو الذي يُوَدّ، وإن كان ذلك مُتَضَمَّنَاً؛ لأنّه يستحقّ أن يُوَدّ، ليس هو بمعنى الودود فقط.

ولفظ الوِداد بالكسر هو مثل الموادّة والتوادّ، وذاك يكون من الطرفين؛ كالتحابّ. وهو سبحانه لمّا جَعَلَ بين الزوجين مودّة ورحمة، كان كلّ منهما يودّ الآخر ويرحمه.

وهو سبحانه كما ثبت في الحديث الصحيح أرحم بعباده من الوالدة بولدها١، وقد بيّن الحديث الصحيح أنّ فرحه بتوبة التائب أعظم من فرح الفاقد ماله ومركوبه في مهلكة، إذ أوجدهما بعد اليأس٢. وهذا الفرح [يقتضي] ٣ أنّه أعظم مودّة لعبده المؤمن من المؤمنين بعضهم لبعض. كيف، وكلّ وُدِّ في الوجود فهو من فعله. فالذي جعل الودّ في القلوب هو أولى بالودّ؛ كما قال ابن عبّاس، ومجاهد، وغيرهما٤ في قوله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدَّاً} ٥؛ قال: يُحِبّهم، ويُحَبِّبهم٦. وقد دلّ الحديث


١ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ٥٢٢٣٥، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته.
ومسلم في صحيحه ٤٢١٠٩، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنّها سبقت غضبه.
وابن ماجه في السنن ٢١٤٣٦، كتاب الزهد، باب ما يُرجى من رحمة الله يوم القيامة.
وأبو داود في سننه ٣٤٦٩، كتاب الجنائز، باب الأمراض المكفرة للذنوب.
٢ سبق تخريجه في ص ٤٢٥.
٣ في ((خ)) : تقتضي. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
٤ سبق نقل كلامهم قريباً، ص ٤١٥-٤١٧.
٥ سورة مريم، الآية ٩٦.
٦ تقدّم ص ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>