للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو القياس الفاسد؛ فلمّا كان الشعر كلاماً له فواصل ومقاطع، والقرآن آيات له فواصل ومقاطع، قالوا: شاعر. ولكن شتّان١.

وكذلك الكاهن؛ يخبر ببعض المغيّبات، ولكن يكذب كثيراً، وهو يخبر بذلك عن الشياطين، وعليه من آثارهم ما يدلّ على أنّه أفّاكٌ أثيم؛ كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِين تَنَزَّلُ عَلَى كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُون} ، [ثم] ٢ قال: {وَالشُّعَرَاءُ [يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ] ٣ أَلَمْ تَرَ أَنَهُم في كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} ٤.

فذكر سبحانه الفرق بين النبيّ، وبين الكاهن والشاعر.

وكذلك الساحر؛ لما كان يتصرّف في العقول النفوس بما يُغيّرها، وكان من سمع القرآن وكلام الرسول خضع له عقله ولبه، وانقادت له نفسه وقلبه، صاروا يقولون: ساحرٌ، وشتّان.

وكذلك مجنون؛ لما كان المجنون يُخالف عادات الكفار وغيرهم، لكن بما فيه [فسادٌ لا صلاح - والأنبياء جاؤوا بما يُخالف عادات الكفّار، لكن بما فيه] ٥ صلاحٌ لا فساد، قالوا: مجنون، قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون} ٦.

فتارةً يصفونه بغاية الحذق، والخبرة، والمعرفة؛ فيقولون: ساحر، وتارةً بغاية الجهل، والغباوة، والحمق؛ فيقولون: مجنون.


١ سبق مثل ذلك. انظر ص ٢٢٠-٢٢١ من هذا الكتاب.
٢ ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
٣ في ((ط)) : يتبعه غاوون.
٤ سورة الشعراء، الآيات ٢٢١-٢٢٦.
٥ ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .
٦ سورة الذاريات، الآيتان ٥٢-٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>