للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعليق المؤلف على كلامهم

فيُقال: إذا كان قد جعل الله في قلوبكم علماً ضرورياً كما جعله في قلوب أمثالكم، فأنتم صادقون فيما تخبرون به عن أنفسكم من العلم الضروريّ، لكن خطأكم: اعتقادكم أن العادات قد [ينقضها] ١ الله بلا سبب، ولا لحكمة. فهذا ليس معلوماً لكم بالضرورة.

وخطأكم من حيث جوّزتم أن يكون شيئان متساويين من كل وجه، ثم يعلم بضرورةٍ، أو نظرٍ ثبوت أحدهما، وانتفاء الآخر.

فإن هذا تفريقٌ بين المتماثلين، وهذا قدحٌ في البديهيّات٢؛ فإنّ أصل العلوم العقلية النظرية: اعتبار الشيء بمثله، وإن حكمه حكم مثله٣.

فإذا جوّزتم أن يكون الشيئان متماثلين من كل وجه، وأنّ العقل يجزم بثبوت أحدهما وانتفاء الآخر، كان هذا قدحاً في أصل كلّ علم وعقل.

وإذا قلتم: إنّ العادات جميعها سواء، وإنّ الله يفعل ما يفعل بلا سبب، ولا حكمة، بل محض المشيئة مع القدرة رجَّحت هذا على هذا، وقلتم: لا فرق بين قلب الجبال يواقيت، والبحار لبناً، وبين غير ذلك من العادات، وجوّزتم أن يجعل الله الحجارة آدميين علماء، من غير سبب تُغيَّر به المخلوقات، كان هذا قدحاً في العقل؛ فلا أنتم عرفتم سنة الله المعتادة في خلقه، ولا عرفتم خاصّة العقل٤؛ وهو التسوية بين المتماثلين؛ فإنّه سبحانه قطّ لم يخرق عادة، إلا لسبب يناسب ذلك؛ مثل:


١ في ((م)) ، و ((ط)) : ينقضه.
٢ انظر الكلام على دعوى الضرورة عند الأشاعرة، ورد شيخ الإسلام رحمه الله عليهم في: الجواب الصحيح ٦٣٩٨، ٥٠٠.
٣ انظر: مجموع الفتاوى ١٩٦٩-٧١. وانظر ما سبق ص ٥٩٢ من هذا الكتاب.
٤ انظر ما تقدّم ص ٢٧٩-٢٨٢، ٦٦٢-٦٦٩ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>