في غير موضعها، والأنساب إنّما تعرف بالآباء لا بالأمَّهات، وهذا المعنى يكاد يكون إجماعاً- أعني أنّها شرعت لصيانة الأنساب.
وأمَّا وجه القّوة فيما روي عن أبي حنيفة رحمه الله من إثبات الولاية لذوي الأرحام بعد العصبات؛ فلأن القرابة مهما بعدت فهي داعية إلى الشفقة والنظر، وإلى صيانة أعراض الأقرباء أيضاً، فإذا انقرضت القرابة من جهة الآباء، فمن أحقُّ الناس بالنظر بعدهم إن لم يكن أولئك الذين تربطهم أواصر القربى؟.
وأمَّا أدلّة كلا الفريقين السابقة فلا يخلو أكثرها من نظر، وإنّما الحجَّة التي ينبغي أن يعوّل عليها هنا، هو تحقيق معنى "الوليّ" لغة، وشرعًا، وعرفاً، أيشمل قرابة الأمّهات أم هو قاصر على القرابة من جهة الآباء؟ وهذا محتمل، خاصّة بعد انقراض القرابة من جهة الآباء؛ وذلك: أنّ معنى الوليّ لغة يدور حول معنى القرب مطلقاً، سواء أكان قرباً حسّيّاً أم معنوياً، كما قاله ابن فارس وغيره١.
وأما شرعاً فلم يرد نصٌّ- فيما أعلم- في بيان ترتيب الأولياء، أو في حصرهم في نوع معيّن، إلا ما روي من حديث "النِّكاح إلى العصبات" الذي تقدّم قريباً، ولكنَّ الشأن في ثبوته، وما أظنّه يثبت بهذا اللفظ، ولو
١ انظر: مقاييس اللغة لابن فارس (٦/١٤١ ـ ١٤٢) ، والصحاح (٦/٢٥٢٨ وما بعدها) ، ولسان العرب (١٥/٤١١ وما بعدها) .