وممَّا سبق يتَّضح أنَّ للفقهاء في معنى الرُّشْد في وليِّ النِّكاح وجهتين:
الوجهة الأولى: أنَّ الرُّشْد في النِّكاح فرع الرُّشْد في الأموال.
وعلى هذا يدلُّ صنيع أكثر الفقهاء.
ولعلَّ وجهتهم: أنَّ من لم يكن رشيدًا في ماله، فأولى ألاّ يكون رشيدًا في معرفة مصالح النكاح، خاصّة أنَّ النكاح أعلى شأنًا من المال، وعلى هذا فتصحّ ولاية النكاح من السفيه قبل الحجر عليه في ماله، كما يصحّ تصرّفه في ماله قبل ذلك اتفاقاً.
وأمّا بعد الحجر عليه في ماله فلا تصحّ ولايته في النكاح، على الصحيح المعتبر، إلاّ أن يأذن له وليّه ففيه بحث آخر.
والوجهة الثَّانية: أنّ الرُّشْد في النكاح غير الرُّشْد في المال، وكلٌّ منهما معتبر في محلّه.
واشتراط الرُّشْد في النّشكاح بهذا المعنى لم أجده صريحاً كغيره من الشروط المشهورة لغير الحنابلة، كما تقدَّم.
ومع هذا فإن عبارات عامّة الفقهاء لم تَخْلُ من هذا المعنى كقولهم:"إن شرط الوليّ النظر". ولكنّ الظاهر أن هذا معتبر عندهم بالعقل والبلوغ؛ لأنَّ شأن العاقل البالغ حسن النظر، ويدلُّ على هذا عدم تصريحهم باشتراط الرُّشْد بجانب العقل، والبلوغ، وغيرهما، من الشروط التي سبق بيانها، ولا يخفى أنَّ المقصود بالرُّشْد هنا معنى زائد على ما يحصل بمجرَّد العقل، والبلوغ، وبقيَّة الشروط الأخرى؛ إذ المراد به صفة كمال للعاقل البالغ دالّة على حسن تصرّفه، كما هو الشأن في الأموال؛ فيلزم من