للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنجدة والمروءة، وحب الحرية وتعشق الشرف والسؤدد، والتمرن على التنقل وتعود الهجرات وعدم التبرم بحياة التقشف ورقة العيش والتطلع إلى النهوض إذا يسرت سبله، إلى غير ذلك من المؤهلات الخلقية العظيمة١.

والعربي في هذه الناحية كان فارس الحلبة، لا يبارى في هذه الصفات التي تتطلبها الحياة المستقبلة، وتحدثنا الأخبار أن القرشين كانوا -حفاظًا على شرف نسبهم ورفعة حسبهم- يتجنبون ألوان الخساسة في طلب الرزق فكانوا إذا استعصى على أحدهم الارتزاق من طرق شريفة آثر الموت جوعًا على الحياة من طريق خسيسة، وفي هذا المعنى يروي "أبو الحسين أحمد بن فارس" أن أحدهم كان إذا جاع جرى هو وعياله إلى موضع معروف، فضرب عليه وعلى عياله خباء حتى يموتوا، وما زال أمرهم على ذلك، حتى كان "عمرو بن عبد مناف" سيد زمانه، وكان له ابن يقال له أسد، وكان لأسد هذا ترب من بني مخزوم يحبه ويلعب معه، وذات يوم قال له: نحن غدًا نعتفد٢، قال أبو الحسين فدخل أسد على أمه يبكي، وذكر ما قاله تربه من بني مخزوم، فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق عاشوا به أيامًا.

ثم إن ترب أسد أتاه مرة أخرى، فقال له مثل ما كان قد قال، وفعل أسد كما فعل، فاشتد ذلك على "عمرو بن عبد مناف"، فقام خطيبًا في قريش وكان فيهم سيدًا مطاعًا؛ فقال: إنكم أحدثتم حدسًا تقلون فيه وتكثر العرب، وأنتم أهلُ حرم الله جَلَّ وعَزَّ، وأنتم أشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، ويكاد هذا الاعتفاد أن يأتي عليكم فقالوا له: نحن لك تبع، فقال: ابتدئوا بهذا الرجل فأغنوه عن الاعتفاد -يعني أبا ترب أسد- ففعلوا، ثم إنه نحر البدن وذبح الكبائش والمعز، ثم هشم الثريد وأطعم الناس، ومن أجل ذلك، سمي "هاشمًا"٣ وهو جدُّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفيه يقول الشاعر:

<<  <   >  >>