للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... قوم بمكة مسنتين عجاف١

ومن ناحية أخرى، فلقد أثبت التاريخ ما كان عليه أعظم الدول -قبل بعثة المصطفى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أخلاق صبغها الترف بصبغته الرخوة الناعمة، وأنس أهلُها إلى الذل والعبودية، بعبادة ملوكها وتقديس عظمائها، وتسلطت عليهم الأفكار والميول التي خلفها متنبؤوهم وفلاسفتهم.

والمأثور من شعراء الجاهلية وأخبار الأولين يفيض بصفات النبل التي كان يفخر بها العربي ويحرص عليها، لأنه يراها عنوان الشرف والكمال، كما كان العربي يمتاز بصفات العقل وتوقد القريحة وقوة الحجة والفصاحة والبيان والاستنتاج والاستدلال، وهي أمور لابد منها لمن يقومون بنشر الدين العالمي الذي يتطلب شرحًا وتفسيرًا وجدلا ونقاشًا.

وعلى هذا الوجه يمكن أن نفهم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله اختار خلقه، فاختار منهم آدم، ثم اختار بني آدم، فاختار منهم العرب، ثم اختارني من العرب، فلم أزل خيارًا في خيار، ألا من أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم٢".

ثم أليس في بلاد العرب هذه "بيت الله العتيق" أول بيت وضع للناس، بناه جد العرب إبراهيم الخليل، والذي تنظر إليه الكتب المقدسة جميعًا، على أنه الأب الروحي لكل المؤمنين٣، ومن ثم فإن أمم الأرض جميعًا إنما تتبارك به٤، ويعتبر الإنجيل المسيح من سلالته٥، وينظر إليه القرآن الكريم، على أنه أبو الأنبياء، فقد أخرج الله من صلبه أنبياء بررة، حملوا الراية وتوارثوا المشعل٦، ومن ثم فهو الأسوة الحسنة للمؤمنين جميعًا


١ أحمد حسن الباقوري: مع القرآن، القاهرة ١٩٧٠ ص٣٠٦-٣٠٧، قارن: تاريخ الطبري ٢/ ٢٥١-٢٥٢، ابن هشام ١/ ١٤٥-١٤٦، أنساب الأشراف للبلاذري ١/ ٨٥، ابن سعد ١/ ٤٣-٤٦، المقدسي ٤/ ١٢٨-١٢٩، الاشتقاق ١/ ١٣.
٢ رواه الطبراني عن ابن عمر، وروى الترمذي مثله، وقال حديث حسن، كما وردت أحاديث مشابهة أو مقاربة تبين فضل العرب الذين اختار الله منهم نبيه، ففي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بعثت في خير قرن بني آدم فقرنا قرنًا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه".
٣ أشعياء ٥١: ٢، سورة الحج: آية ٧٨.
٤ تكوين ١٢: ٣، ١٨: ١٨.
٥ متى: ١: ٢-١٦، لوقا ٣: ٣٣-٣٤.
٦ سورة الأنعام: آية ٨٤-٨٧.

<<  <   >  >>