للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك تقسيم ثالث يعتمد في الدرجة الأولى على النسب، فهم قحطانية في اليمن، وعدنانية في الحجاز١، على أن "ابن خلدون" إنما ينحو نحوًا آخر، يقسم به العرب -طبقًا للتسلسل التاريخي- إلى طبقات أربعة، فهم عرب عاربة قد بادت، ثم مستعربة، وهم القحطانيون، ثم العرب التابعة لهم من عدنان والأوس والخزرج، ثم الغساسنة والمناذرة، وأخيرًا العرب المستعجمة وهم الذين دخلوا في نفوذ الدولة الإسلامية٢.

هذه هي التقسيمات التي رأى الأخباريون تقسيم العرب إليها -من ناحية القدم والتقدم في العربية- وهي تقسيمات يلاحظ عليها "أولًا" أنها لا ترجع إلى أيام العرب القدامى أنفسهم، وإنما إلى العصور الإسلامية، فليس هناك نص واحد يذكر هذه التقسيمات ويرجع في تأريخه إلى ما قبل الإسلام، حتى يمكن القول أنها من وضع العرب القدامى أنفسهم، ثم هي "ثانيًا" عربية صرفة؛ وذلك لأن المصادر اليهودية، وكذا المصادر اليونانية واللاتينية والسريانية، لم تتعرض لمثل هذه التقسيمات٣.

والرأي عندي أن هذه التقسيمات غير مقبولة، ومتعسفة كذلك، وذلك لأسباب منها "أولًا" أن القرآن الكريم لم يفرق بين العرب القحطانية والعدنانية، وإنما رفع العرب جميعًا إلى أب واحد، هو إبراهيم الخليل، عليه السلام، يقول سبحانه وتعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} ٤، ومنها "ثانيًا" ما روي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ


١ طه حسين: في الأدب الجاهلي، القاهرة ١٩٣٣ ص٧٩.
٢ عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص٨٣، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٢٨ "بيروت ١٩٦٥".
٣ جواد علي ١/ ٢٩٥.
٤ سورة الحج: آية ٧٨، وانظر تفسير البيضاوي ٢/ ١٠٠-١٠١ تفسير الطبري ١٧/ ٢٠٥-٢٠٩، تفسير القرطبي ١٢/ ٩٩-١٠١، تفسير التبيان ٧/ ٣٠٤-٣٠٦ "للشيخ الطوسي"، تفسير القاسمي ١٢/ ٤٣٨٤-٤٣٨٥، تفسير روح المعاني ١٧/ ٢٠٩-٢١٣، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٤/ ٣٧١-٣٧٣، تفسير الخازن ٥/ ٢٤-٢٥، تفسير البغوي ٥/ ٢٤-٢٥ "نسخة على هامش الخازن"، تفسير ابن كثير ٤/ ٦٦٧-٦٦٩، تفسيرالبحر المحيط ٦/ ٣٩٠-٣٩٢، تفسير النسفي" ٣م ٢٩٢-٢٩٣، تفسير المراغي ٦/ ١٤٧-١٥٠، الجواهر في تفسير القرآن الكريم ١١/ ٤٠ وما بعدها، في ظلال القرآن ١٧/ ١٢٣-١٢٥، تفسير مجمع البيان ١٧/ ١٣١-١٣٢.
وانظر كذلك أبياتا من قصيدة لجرير بن عطية التميمي يقول فيها:
أبونا خليل الله لا تنكرونه ... فأكرم بإبراهيم جدا ومفخرا
أبونا خليل الله والله ربنا ... رضينا بما أعطى الإله وقدرا

<<  <   >  >>