للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإنجيل١ من قبل -قد تحدثت عن قصة سليمان مع ملكة سبأ، وإن اختلفت الكتب المقدسة الثلاثة في سردها للقصة، تبعًا للغرض من السرد نفسه، ولكنها اتفقت جميعًا على وجود مملكة في سبأ، على رأسها ملكة ٢، وليس من العلم، فضلا عن الإيمان بكتب السماء، أن نشك في أمر أجمعت عليه هذه الكتب المقدسة، ومن ثم فإن وجود ملكة سبئية، شمالية أو جنوبية، في عهد سليمان- أي في القرن العاشر قبل الميلاد- حقيقة ترقى فوق كل شك، وبالتالي فإن وجود السبئيين كقوة منظمة وقوية على رأسها ملكة في القرن العاشر ق. م، حقيقة تاريخية.

على أن التوراة مضطربة في أصل السبئيين، فهم مرة من الحاميين، أبناء كوش ابن حام٣، وهم مرة أخرى من الساميين٤، وفرق كبير بين الحاميين والساميين، كما هو معروف، ثم إن سبأ "أو شبأ" تقدمه التوراة -وفي سفر التكوين بالذات- مرة على أنه من ولد يقطان٥، ولكنه مرة ثانية من ولد يقشان٦، والمعروف أن "يقطان" من ولد عابر، ولكن "يقشان" من أولاد الخليل عليه السلام من زوجه قطورة الكنعانية٧، وفرق بين الاثنين كبير.

ولعل هذا الاضطراب في نصوص التوراة بشأن السبئيين، هو الذي جعل بعض الباحثين يذهب إلى أن ما جاء في التوراة بشأنهم، إنما هو من مصادر غير أصيلة لا يمكن الاعتماد عليها، فضلا عن الثقة بها، فهي مادة كدرة، ليس لها نصيب كبير من الصواب٨، على أننا نرى في نفس الوقت فريقًا من المتخصصين في الدراسات التوراتية يرون في هذا الاضطراب، دليلا على انتشار السبئيين في آسيا وأفريقية، فهناك جاليات قد استقرت في أرتيريا والحبشة، ومن ثم فقد جعلتهم التوراة


١ متى ١٢: ٤٢.
٢ انظر مقالنا: "العرب وعلاقاتهم الدولية في العصور القديمة" -مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- العدد السادس ص٢٨٧-٤٣٧، الرياض ١٩٧٦.
٣ تكوين ١٠: ٧، أخبار أيام أول ١: ٩.
٤ تكوين ١٠: ٢٨.
٥ تكوين ١٩: ٢٨.
٦ تكوين ٣: ٢٥.
٧ تكوين ٢٥: ١-٢.
٨ W.F. Albright, The Bible And The Ancient Near East, London, ١٩٦١, P.٣٠٠

<<  <   >  >>