للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى اضطرهم آخر الأمر إلى أن يتركوا منطقة ظفار، وأن يتجهوا إلى المعاهر "معهرتن"، ثم سجل ذلك كله شكرًا للموقاة، داعيًا إياه أن يحفظ سيده "لحيعثت يرخم" ملك سبأ وذي ريدان وأن يمد في عمره، وأن يقهر أعداءه، وأن يبارك له ولأهله١.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أمور عدة في هذا النص، منها "أولًا" أن الملك إنما أمر قائده أن يسير على رأس قوة إلى أرض الحبشة هنا؟ يحارب فيها "جدرة" ملك الحبشة وأكسوم، فماذا يعني النص بأرض الحبشة هنا؟ أهي الأرض الإفريقية المعروفة؟ أم موضعًا في العربية الجنوبية؟ إن الدكتور جواد علي يرى أنها أرض الحبشة في إفريقيا، وذلك لأن "جدرة" لم يكن يقيم في بلاد العرب، وإنما في إفريقيا، هذا فضلا عن أن الأحباش الذين كانوا في بلاد العرب إنما كانوا تحت قيادة "بيجث" ولد النجاشي، وليس النجاشي نفسه، ثم يفترض بعد ذلك أن "قطبان أوكان"، ربما أبحر من "الحديدة" إلى السواحل الإفريقية، وباغت القوم هناك بغزو غير متوقع، ثم جمع ما استطاع الاستيلاء عليه، وعاد سريعا ليشترك في المعارك التي دارت رحاها ضد "بيجت" ومن معه من قوات٢، وفي الواقع أن هذا الرأي قد يبدو مقبولا في ظاهره، إلا أن التكتيك العسكري قد يرفضه، ذلك لأنه من الخطورة بمكان أن يجازف جيش "شعر أوتر" بهذه المغامرة غير المأمونة العواقب، في وقت تدق الحرب طبولها في اليمن نفسها، ثم كيف أمكن تحديد الإبحار من "الحديدة" بالذات، وأخيرًا فإننا لا نملك دليلا تاريخيًّا يؤكد زعم الدكتور جواد علي هذا، بخاصة وأن هناك من يشك في أن "جدارة" كان ملكًا أفريقية، بل ربما كان زعيما لفرقة من الأحباش كانت تقيم في بلاد العرب نفسها٣.

ومنها "ثانيًا" أن "فون فيسمان"٤ قد استدل من عدم ذكر اسم الملك "شعر أوتر" في نهاية النص، فضلا عن وجود اسم لحيعثت يرخم "كملك لسبأ وذى


١ جواد علي ٢/ ٣٧٠-٣٧٧، وكذا A. JAMME, OP. CIT., P.١٣٢
وكذا LE MUSEON, ١٩٦٤, ٣-٤, P.٤٧٥
٢ جواد علي ٢/ ٣٧٨.
٣ عبد المجيد عابدين: بين الحبشة والعرب ص٢٤، "القاهرة ١٩٤٧".
٤ LE MUSEON, ١٩٦٤, ٣-٤, P.٤٧٥

<<  <   >  >>