للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد وفاة "شمر يهرعش" وقبله.

وهكذا اتفقت مصالح الأحباش والرومان في السيطرة على بلاد العرب الجنوبية، وكانت سياسية "ذي نواس" التي تربط بين انتشار المسيحية في اليمن، وبين ازدياد نفوذ الأحباش في البلاد، سببًا في أن يتخذ من نصارى اليمن موقفًا عدائيًّا، وكان ذلك ذريعة وجدها الرومان للقضاء على استقلال اليمن، ولكن دون التدخل المباشر، وإنما بتحريض الأحباش على غزوها، بل إن هناك من يذهب إلى أن الروم قد اشتركوا بطريقة فعلية في غزو اليمن عن طريق إرسال أسطولهم من مصر، محملا بالأسلحة والمؤن إلى الثغور اليمنية، ولعل الأمبرطور "جستين الأول" "٥١٨-٥٢٧م" قد اتخذ هذه الخطوات نتيجة لأطماع الفرس التي ازدادت في بلاد العرب حتى أنهم استقروا في سواحل الخليج العربي كالبحرين١.

وهناك رواية تذهب إلى أن السبب المباشر لغزو الحبشة لليمن، إنما كان لأن الملك الحميري "دميون" "دميانوس"، كان قد أمر بقتل التجار الروم الذين كانوا في بلاده، وبنهب أموالهم، وذلك بسبب اضطهاد اليهود وإساءة معاملتهم في بلاد الروم، مما أدى إلى أن يتجنب تجار الروم الذهاب إلى الحبشة واليمن، أو حتى المناطق القريبة من "حمير"، ومن هنا رأى البعض أن بعثة "ثيوفيلوس" التبشيرية إنما كانت لضمان حسن نية الأمراء اليمنيين إزاء تجار الروم، غير أن تلك البعثة قد فشلت في تحقيق أهدافها بسبب نفوذ الفرس في اليمن وقت ذاك، وقد أثر ذلك كله في التجارة مع الحبشة تأثيرًا سيئًا، وهنا اضطر النجاشي إلى أن يقدم عروضًا رفضها الملك الحميري، مما كان سببًا في نشوب الحرب بينهما، وتزعم الرواية أن النجاشي كان حتى تلك اللحظة لا يزال على الوثنية، ومن ثم فقد عرض عليه أن يعتنق النصرانية إن كتب له النجح على الحميريين، وحين انتهت الحرب في صالحه اعتنق المسيحية، وأرسل إلى قيصر يطلب منه إرسال عدد من رجال الدين ليعلموه العقيدة


١ عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص٧٤، البلاذري: فتوح البلدان ص٧٨، إسرائيل ولفنسون: المرجع السابق ص٤٨، وكذا Graetz, History Of The Jews, Iii, P.٨٨
وكذا A. Kammerer, La Mer Rouge, L'abyssinie Et L'arabie Depuis L'anti-Quite, Le Caire, ١٩٢٩

<<  <   >  >>