للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لليمن، أمرًا مقبولا١.

وإذا ما عدنا مرة أخرى إلى "سيف بن ذي يزن"، لوجدناه يتخذ سياسة في منتهى العنف بالنسبة إلى البقية الباقية من الحبش، فقتل البعض، واتخذ من البعض الآخر عبيدًا يسعون بين يديه بالحراب، ويبدو أن هذه المعاملة القاسية قد أثرت في نفوسهم، حتى أنهم انتهزوا أول فرصة، فوثبوا عليه وقتلوه٢.

ويعلم "كسرى" بالأمر، فيرسل، "وهريز" في أربعة آلاف من الفرس، ويأمره ألا يترك باليمن أسود، ولا ولد عربية من أسود، إلا قتله، صغيرًا كان أم كبيرًا، ولا يدع رجلا جعدًا قططًا قد شرك فيه السواد، إلا قتله"، ويفعل "وهريز" ما أمر به كسرى، فيستأصل البقية الباقية من الأحباش في اليمن٣.

ويبدو أن الفرس -الذين كانوا قد توسعوا في شبه الجزيرة العربية- قد طمعوا في اليمن، لأهميتها التجارية والسياسية "أولًا"، وليمنعوا بيزنطة من الاستيلاء عليها "ثانيًا"، ويبدوا كذلك أن "سيف بن ذي يزن" كان قد أحس بتدخلهم في كل شئون بلاده، ومن ثم فقد بدأ يعد العدة للتخلص منهم، كما تخلص من الأحباش من قبل، إلا أن الفرس كانوا قد فطنوا إلى خطته، ومن ثم فقد تآمروا عليه ودبروا أمر قتله، وربما كان بعض الأحباش وسيلتهم إلى ذلك، حتى تصبح اليمن واحدة من ولايات الإمبراطورية الساسانية٤.

وأيًّا ما كان الأمر، فلقد أصبح أمر اليمن بيد "وهريز" من قبل كسرى، ثم جاء من بعده ولده "المزربان" ثم حفيده "البينجان" ثم "خرخرة" بن "البينجان" وأخيرًا "باذان" الذي قدر له شرف الدخول في الإسلام٥، وهنا لعل من الأهمية


١ مروج الذهب ٢/ ٥٧، جواد علي ٣/ ٥٢٦.
٢ تاريخ الطبري ١/ ١٤٨، ابن الأثير ١/ ٤٥٠، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٦٤، حمزة الأصفهاني المرجع السابق ص٩٠.
٣ حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص٩٠، مروج الذهب ٢/ ٦٢-٦٣، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٦٤-٦٥، الأخبار الطوال ص٦٤، تاريخ الطبري ١/ ١٤٨.
٤ عبد العزيز سالم: السابق ش٢١٣، عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص٧٦-٧٧، قارن: مروج الذهب ٢/ ٦٠.
٥ تاريخ الطبري ١/ ١٤٨، مروج الذهب ٢/ ٦٢، المعارف ص٣١٣، ابن هشام ١/ ٤٦.

<<  <   >  >>