للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما التجارة، فكان لا بد -بعد زوال النشاط اليمني- أن يوجد من يسد هذا الفراغ ويقوم بدور الوسيط المحايد بين المتنازعين، لنقل التجارة، وقد وجد هذا الوسيط ممثلا في مكة١، التي حظيت منذ منتصف القرن الخامس الميلادي بمكانة ممتازة بين عرب الشمال، فضلا عن طرفي الصراع الدولي "الفرس والروم" وقت زامن وساعد على ذلك رغبة الفريقين المتنافسين في وجود مثل هذا الوسيط المحايد من ناحية، وبعد مكة وصعوبة الوصول إليها ما ناحية أخرى٢.

وهكذا كان موقع مكة الجغرافي سببًا في أن يجعل من المدينة المقدسة عقدة تتجمع فيها القوافل، التي تدر من العربية الجنوبية تريد الشام، أو القادمة من الشام تريد اليمن، حتى إذا ما كان القرن السادس الميلادي نجح القرشيون في احتكار التجارة في بلاد العرب، فضلا عن السيطرة على طرق القوافل التي تربط اليمن بالشام من ناحية، وبالعراق من ناحية أخرى٣.

وقد بلغت شهرة القرشيين في التجارة ومهارتهم فيها، إلى أن يذهب البعض إلى القول بأن "قريشًا" إنما سميت كذلك لاحترافها التجارة، لأن التقرش إنما هو التجارة والاكتساب٤، وإلى أن تذكر رحلاتهم التجارية في القرآن الكريم، حيث يقول سبحانه وتعالى "لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"٥.


١ أحمد إبراهيم: مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول - القاهرة ١٩٦٥ - ص١٥٤
وكذا S.A. Huzayyin, Arabia And The Far East, P.١٤٢-٣
وكذا E. Gibbon, Op. Cit., ٥, P.٢١٣
٢ انظر كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني".
٣ W.M. Watt, Muhammad At Mecca, Oxford, ١٩٥٣, P.٣
٤ ابن هشام ١/ ٦٠، ياقوت ٤/ ٣٣٦، مجمع الأمثال ٢/ ٧٢، نهاية الأرب ص٣٦٤ "بغداد ١٩٥٨"، فجر الإسلام ص١٣-١٤، تاريخ مكة ص٥٩، البلاذري ١/ ٥٩، وراجع تفسيرات أخرى في: ياقوت ٤/ ٣٣٦-٣٣٧، تفسير روح المعاني ٣٠/ ٢٣٨-٢٣٩، تفسير الفخر الرازي ٣٢/ ١٠٦
٥ سورة قريش، وانظر: تفسير القرطبي ٢٠/ ٢٠٠-٢٠٩ "دار الكتب المصرية"، تفسير الفخر الرازي ٣٢/ ١٠٣-١١٠، تفسير البيضاوي ٢/ ٥٧٧، تفسير الطبري ٣٠/ ٣٠٥-٣٠٩ "طبعة الحلبي"، تفسير روح المعاني ٣٠/ ٢٣٨-٢٤١.

<<  <   >  >>